مشروعات الطاقة املتجددة... هل انتهى التأخير وابتدأ املشوار؟
مــنــذ زمـــن طــويــل وكــثــيــر مــنــا يــنــادي بـــضـــرورة الــبـــدء بإنشاء مشروعات الطاقة املتجددة في اململكة؛ فهي تعمل على تعدد مــصــادر الــطــاقــة لــديــنــا، وتــعــالــج مــســألــة نــقــص االحتياطيات مــن الــغــاز املـتـوفـر لتوليد الـكـهـربـاء وتحلية املــيــاه، وتوجيهه الستخدامات الصناعات املحلية، لقيم ـا لها، إضافة إلى عملها على االستغناء عن النفط املستخدم محليا في هذين القطاعني وتوجيهه للتصدير تحقيقا لعائدات أكبر من جراء
ا. وقـــد صـــدر أمـــر املــلــك عــبــد الــلــه بـــن عــبــد الــعــزيــز ـ رحــمــه الــلــه ـ عــام (1341هـــــ) بـإنـشـاء مدينة املـلـك عبد الـلـه للطاقة النووية واملتجددة، لكنها تاهت بني مختلف الجهات الحكومية التي تـنـازعـت مسألة تسكني مــصــادر الـطـاقـة املـتـجـددة هــذه لديها، تاهت بني أروقة وزارة البترول، وقتها، وشركة أرامكو، ومدينة املــلــك عـبـد الــعــزيــز لـلـعـلـوم والـتـقـنـيـة. وغــابــت مــســودة اللوائح والقواعد التنظيمية التي تم إعدادها عن األنظار لفترة طويلة، بالرغم من متابعة مدينة امللك عبد الله للمسودة فيقفون عند حقيقة أنها ال زالت تحت دراسة الجهات الحكومية املختلفة. ولــم يـتـم الــبــدء طـــوال الـسـنـوات الـسـبـع املـاضـيـة فــي تنفيذ أي مشروع سوى ما قام باجتهاد منفرد من قبل مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وهو مشروع صغير وحيد «ال يسمن وال يــغــنــي مــن جــــوع»، قــيــاســا بـمـتـطـلـبـات املـمـلـكـة مــن الطاقة املتجددة. وباختصار نجد مساوئ البيروقراطية قد تجسدت فــي هـــذا األمـــــر، مــلــخــصــة طـبـيـعـة أداء الــجــهــاز الــحــكــومــي في التعامل مع جميع مشاريع التنمية، بما فيها املشروعات ذات األهمية البالغة. وبــالــرغــم مــن الــتــحــرك األخــيــر مــن قـــبـــل وزارة الــطــاقــة لتنفيذ مشروعات الطاقة املـتـجـددة، بــدءا مـن أبـريـل الـقـادم ،)م2017( والوعود ببدء التعاقد بني القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتنفيذ مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلنتاج 700( ميغاوات) في كل من الجوف وتبوك، في إطار برنامج يستهدف 9,5( جيجاوات) بحلول عام ،)م2023( إال أن الكل يتعامل بحذر نحو هذا اإلعالن؛ قياسا على تجارب سابقة. وفي الوقت نفسه يحدونا األمل أن يتحقق ذلك بأسرع ما يمكن. ويعزو البعض التحمس األخير إلى الرغبة في تنفيذ التزاماتنا الــتــي قطعناها عـلـى أنفسنا أمـــام املجتمع الــدولــي فــي اتفاق بـاريـس للمناخ الـعـام املــاضــي. وعـلـى الــرغــم مـن ذلــك فـالبـد أن يكون هدف اململكة من وراء إنشاء مشروعات الطاقة املتجددة اقتصاديا بحتا ينطلق من حاجتنا إلى مـوارد طاقة إضافية، السـتـغـالل املـتـواجـد منها فــي قـطـاعـات تحقق عــائــدات أفضل، وتعمل على خفض تكلفة الوحدات املنتجة من الكهرباء واملياه، مما يساعد على تخفيف الــعــبء االقــتــصــادي عــن املــواطــن من جراء هذا التوسع في مصادر الطاقة املتوفرة لدينا محليا. وقـــد تـعـيـد أرامــكــو الـنـظـر فــي مساهمتها فــي صــنــدوق املناخ البالغة 100 مليون دوالر، لتقوم بضخها في أبحاث ومشروعات الــطــاقــة الـشـمـسـيـة وطــاقــة الـــريـــاح لـتـحـقـيـق الــفــائــدة املباشرة وتوفير تمويل نحن في أمس الحاجة إليه، في هذا الوقت. وقد يقول قائل طبقا للمثل املكي الشهير«جحا أولى بلحم أرامكو». فهل يعقل أن نقوم بتمويل مشروعات دولية في مجال الطاقة املتجددة ــ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ في الوقت الذي ال زلنا فيه عاجزين عن تمويل وإنشاء مشروعاتنا من الطاقات املتجددة محليا، خاصة إذا عرفنا أن املشروعات الدولية التي سنساهم فــي تمويلها ستقام فــي دول تــحــاول االسـتـغـنـاء عن النفط، واستبداله بمصادر الطاقة األخرى؟ وإضـــافـــة إلـــى مـــا ســبــق فــــإن مــســاهــمــة أرامـــكـــو فـــي إقـــامـــة هذه املشروعات في اململكة يحتسب ضمن الوفاء بالتزامات اململكة الــدولــيــة، بــمــا أن الــهــدف املــشــتــرك هــو الــتــوســع فــي مشروعات الطاقة املتجددة. إن أية استثمارات محلية حكومية أو شبه حكومية في مجال الطاقة املتجددة ستكون لها أهميتها ليس فقط مـن الناحية املـــالـــيـــة، بـــل أيـــضـــا مـــن نــاحــيــة إعــطــائــهــا نـــوعـــا مـــن الضمان لالستثمارات الخاصة؛ فهي حتما تصب في صالح املستثمر السعودي املعني بتنفيذ مختلف الشراكات املحلية واملوفر لهذه الخدمة. أما فيما يتعلق بالطاقة النووية فواضح أن اندفاعنا نحوها أكبر بكثير من اندفاعنا نحو الطاقة املتجددة؛ على الرغم من عــدم استعدادنا مـن جميع األوجــه لقيامها. صحيح أن القرار السياسي قـد تـم اتــخــاذه، لـكـن هـل نحن جــاهــزون ملـواجـهـة أية حــــوادث إشــعــاعــات نــوويــة؟ أو لكيفية الـتـعـامـل مــع النفايات الـنـوويـة الـتـي تــحــار الـــدول الـكـبـرى فـي التعامل معها؛ فتقوم بتصديرها إلى دولنا النامية. والسؤال األهـم حتما هو: هل لدينا الكوادر السعودية القادرة على التعامل وتشغيل املفاعالت النووية فـي بـالدنـا؟ وأحمد الله أن كل ما تم في مجال مشروعات الطاقة النووية إلى اآلن، إنما هو توقيع مذكرات تفاهم ليس إال، وأتخوف من اندفاعنا نحو خطوات أكبر من هذه دون الوفاء باملتطلبات الضرورية والتركيز على مثل املشروعات النووية هذه التي أخذت الدول األخـــرى فـي التخلص منها. إذا ركـزنـا على الـطـاقـة املتجددة،
فسنردد بارتياح «وابتدأ املشوار»
* مستشار اقتصادي ونفطي