Okaz

جيل.. كسر الدنيا غيابك

-

** بحكم التقاعد وتوفر وقت الفراغ، أقوم وبشكل متقطع بـــدور املـــدرس الـخـصـوصـ­ي ألحــفــاد­ي، ولــو أن هــذه املهنة «الـــدروس الخصوصية»، وفـي ظل ضعف تكوين وتعليم عــدد ال بــأس بـه مـن معلمي ومعلمات التعليم فـي جميع مــراحــلـ­ـه، أصــبــحــ­ت ســوقــا رائــجــة يــربــح مـنـهـا الــعــديـ­ـد من األشقاء العرب رجاال ونساء، بعد أن أضحت أحد أهم أعمدة العملية التعليمية فـي وقتنا الحاضر، حيث ال يستغني عنها جيل هـذه األيــام خصوصا جيل املدينة والرفاهية، والـجـوال واإلنترنت ومـا يتبعها من برامج تشتت العقل، وتقتل التفكير، وتثير الـحـمـاس الـذهـنـي الــزائــف وتشغل وقــتــا طــويــا فــي الـتـركـيـ­ز، واملـتـابـ­عـة ألمـــور أكــثــر مــا يقال عنها إنها غاية في التفاهة واإلسفاف، طبعا، أقول هذا من منطلق أني رجل عجوز ال ينتمي إلى جيل التكنولوجي­ا، ولم يفتح عينيه على الهاتف النقال أو اللوح الذكي، كما يفعل أبـنـاء السنوات الـثـاث ومـا فـوق مـن الجيل الحالي، وأعتقد بأنني لو كنت من هذا الجيل، لرأيتني منكبا على شاشة تلفوني أحرك أصبعي عليها، شاغا وقتي ومتنقا بني عشرات التطبيقات التي يحملها كل هاتف نقال دون حساب للزمان أو املكان. أعود إلى أحفادي وإلى الدروس الخصوصية التي يلجأون فيها إلــي، وهـي على وجـه التحديد دروس تتعلق باللغة الـعـربـيـ­ة، ســاعــدت فيها حفيدتي بـالـصـف األول الثانوي قبل اختبارات الفصل املـاضـي، فوجئت وأنــا أبــدأ الدرس، بأن كل منهج اللغة العربية قد اختصر في كتاب بعنوان «لغتي»، وهو منهج يختلف تماما عما درسته وجيلي في هذه املرحلة التعليمية، حيث كان منهج اللغة العربية كما أذكر يشمل النحو والصرف، األدب والنصوص، املطالعة، اإلنــشــا­ء، النقد والــبــاغ­ــة، الــقــراء­ة الــحــرة، وهــي عــبــارة عن كتاب بعنوان محدد لكل سنة دراسية مثل «الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز، عبقرية عمر.. إلــخ»، كل هـذه املقررات بما كانت تحويه من علم وثقافة والتي تأسس عليها جيل األجـداد اجتزئت في كتاب واحد يؤسس لجيل أتوقع بأن يكون منسلخا عن تراثه األدبي والثقافي، جيل هزيل الفكر، وضـحــل الـتـفـكـي­ـر، ال يـفــرق بــني الـــام الشمسية والقمرية، ويحسب أن «كسر الدنيا غيابك من غاك.. كل شيء طاح من فوق وتكسر» هو بيت من الشعر أو أن «وبعدين هتعمل ايه وتروح فني.. اديك شفت اللى راحو شمال.. واديك شفت اللى راحو يمني» هو مطلع قصيدة عصماء، وأخشى أن يعتقد بأن امرؤ القيس العب كرة قدم في أحد أندية جدة. أنا ال أريد من جيل اآليباد أن يكون مثل جيل آبائه وأجداده، لكنه وعلى األقــل البــد وأن يعرف ولــو على خفيف مـا هو األدب ومــا هـي الثقافة ويعتز بلغته وتــراثــه.. ويتقن ولو كتابة سطرين بــدون أخطاء إمائية أو إنشائية، والبركة في وزارة التعليم والقائمني عليها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia