جودة احلياة.. لكي ال تغيب هذه اجلملة كثيرا

دائما يجب التذكير بهذه الجملة وكلما سنحت الفرصة لذلك، والتي أراها أهم وأبرز املصطلحات التي حملتها مشاريع الرؤية السعودية وخطط التحول الوطني. تفتح هذه العبارة بابا واسعا للتفكير في الحياة؛ حياة السعوديني، وتوصيفها قبل ظهور هذه العبارة التي تعلق األسئلة التالية: هل حياة السعوديني فيها من الجودة التي تحقق االستقرار النفسي واالجتماعي واملالي؟ ماذا تعني جودة الحياة أصال؟ هل التفكير في جودة الحياة كان قائما من قبل؟ الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قدمت تجربة مهمة وقامت بدراسة استطالعية ملعرفة الـــرأي الـعـام فـي جــودة الحياة فـي مدينة الرياض، وأتــصــور أن الهيئة فوجئت بــأن كثيرا مــن اإلجــابــات الـتـي ذكــرهــا من شملهم االستطالع جــاءت مركزة على مقومات الحياة وعلى الوسائل التي تجعل الحياة جيدة، وكان توافر املسكن والدخل املالي على رأس تلك اإلجابات. هذه التجربة تكشف لنا أنه ال يوجد فهم عام ملعنى جودة الحياة، فال يزال الجميع -غالبا- يربطها بمقومات الحياة املستقرة وليست بفكرة الحياة بمستوى مالئم من الجودة والسعادة واالستمتاع. تعرف بعض املنظمات الدولية كمنظمة الصحة العاملية جودة الحياة كالتالي: إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة وأنساق القيم التي يعيش فيها ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع: أهدافه، توقعاته، قيمه، واهتماماته املتعلقة بصحته البدنية، حالته النفسية، مستوى استقالليته، عالقاته االجتماعية، اعتقاداته الشخصية، وعالقته بالبيئة بصفة عامة، وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا املعنى تشير إلى تقييمات الفرد لحياته الذاتية. أتـصـور أن البحث عـن تعريف عــام لـجـودة الحياة سيجعله نظريا منفصال عـن الــواقــع، واألنسب هــو إيــجــاد تـعـريـف لــجــودة الـحـيـاة يختص بـكـل مجتمع وفــق معطياته االجـتـمـاعـيـة والثقافية واالقتصادية، ليدور محليا لدينا في الجوانب التالية: إلى أي درجة يمتلك السعودي حياته على مستوى القيم واألفكار والتصرفات والعالقات االجتماعية؟ إلى أي مدى يستشعر الناس قيمة ما يملكونه؟ ما مستوى الرضا لدى الفرد عن حياته وهل معاييره التي يقيس بها الرضا هي معايير صحيحة أصال؟ هل الناس سعداء حقا؟ غالبا حني يعدد الفرد مبررات السعادة لديه يعددها بذكر مقومات الحياة الكريمة وأن لديه مسكنا وسـيـارة وعائلة وأنــه معافى فـي صحته وفــي أسـرتـه. وهــذه بالفعل عـوامـل تحقق االسـتـقـرار لكن االستقرار ليس سوى عامل من عوامل جودة الحياة. لقد أوجـدت الطفرة والصحوة (بصفتهما أبـرز العوامل التي أثـرت في التشكيل االجتماعي السعودي) تعريفا ومقومات للحياة الجيدة وليس لجودة الحياة طبعا، فبينما منحت الطفرة ماال ووفرة في أيدي الناس منحت الصحوة تخويفا مـن الحياة الجديدة ومحاولة لوضعها في إطار محدد خاصة في مواجهة الحياة التي باتت تفرضها املدينة فآمن الناس بمقومات االستقرار والحياة الكريمة وغابت عنهم فكرة الحياة السعيدة واملمتعة. باتت الطموحات العامة تتمثل في منزل كبير وفيه حديقة ودخل مالي ثابت ووفير (قليال ما يذهب السعوديون للحدائق واملتنزهات العامة وأكثر روادها هم من غير السعوديني). ترتبط جودة الحياة باملدينة، واملدينة مجتمع متكامل يقوم أوال على الخيارات وهذه مهمة الدولة بتوفير مختلف الخيارات على كل األصعدة، إضافة إلى إدارة كل ذلك من خالل األنظمة والقوانني والتشريعات. يحتاج كـل ذلــك لتعزيز املدنية كقيمة عليا وحقيقية فـي املجتمع؛ فكرا وممارسة وخيارات وتنظيمات تكسر فكرة النمط الواحد واللون الواحد وتحتفي بالتنوع والتعدد. املدنية هي التي تجعل من البحث عن حياة ممتعة هدفا ساميا لدى الجميع. إن جودة الحياة في السعودية ستتحقق في اليوم الذي تكون فيه أسعد لحظات وذكريات السعوديني في بالدهم وليست خارجها.