شكرا مجلس الشورى.. مبادرتكم رائعة ولكن العبرة بالنتائج!
لم يــدر في خلدي أن أحظى باستجابة رفيعة من مجلس الشورى حول سلسلة مقاالتي املنشورة في هذه الجريدة الرائدة التي طاملا دعـوت (وزمالئي الـكـتـاب) مـن خاللها لسرعة تصحيح خلل املـــادة 77؛ بوصفها حجر عثرة أمـام جهود التوطني، وعائقا يهدد األمــان الوظيفي للسعوديني العاملني في القطاع الخاص؛ خصوصا أنني كنت قــد عــبــرت قـبـل أيــــام فـقـط فــي بـضـعـة تــغــريــدات عــن خـيـبـة أملي بمحدودية تفاعل األجهزة الرسمية مع ما أطرحه من تصورات تتناول الشأن العام. وبـعـد أن كـنـت قـد أوشـكـت على الـيـأس مـن حــدوث تـحـرك (جاد) للتعامل مع القضية، حدثت مفاجأة سارة هي أن أتلقى في نفس الليلة دعوة من مجلس الشورى لحضور اللقاء (األول من نوعه) الـــذي ينظمه املـجـلـس لـبـحـث حلول ملعضلة املـــادة 77، ويجمع فيه بني رئـيـسـه مـعـالـي الــدكــتــور عـبـدالـلـه آل الشيخ، وبـني شريحة من املواطنني؛ سبق أن تقدموا بمطالب إلى املجلس؛ لتعديل ثغرات نظام العمل. ملمح مهم استوقفني في اللقاء هو (ديموقراطية) رئيس املجلس، الذي حـرص على إعطاء فرصة متساوية لجميع الحضور كي يبدوا آراءهـــم فــي تـحـديـات الـتـوطـني، وكيفية معالجة املـــادة 77، وقد حــرصــت خــالل كلمتي عـلـى الـتـأكـيـد عـلـى جزئيتني مفصليتني برأيي هما: أ)- الرفع للمقام السامي بوقف العمل (موقتا) باملادة 77 لوضع حـد للتهديد الحاصل حاليًا ملوظفي القطاع الـخـاص؛ و(ربما) إعــادة تفعيل املادتني السابقتني وهما 77 و٨7 (قبل التعديل)، لتالفي الـفـراغ التشريعي محتمل الـحـدوث؛ الــذي أثــاره البعض أثناء اللقاء. ب)- إعــطــاء (األولـــويـــة) لتعديل املـــادة 77 فــي مجلس الشورى، وتقديم مناقشتها (تحت القبة) على غيرها من ملفات على جدول أعمال املجلس؛ (وإن بشكل استثنائي)؛ تجنبًا لحدوث املزيد من الفصل التعسفي باستغالل تلك املادة. الدعوة أتاحت لي التعرف عن قرب على الكيفية التي يعمل بها املجلس الـذي طاملا كتبت عنه؛ إمـا منتقدًا أو مقترحًا أو معلقًا، لـذلـك فـالـلـقـاء هــو خـطـوة كـبـيـرة لــأمــام وفــي االتــجــاه الصحيح لتعديل تلك املادة (نظاميًا)؛ وليس إجرائيًا فقط (كما عملت وزارة العمل)؛ وأيضًا لتصويب الصورة املشوهة عن مجلس الشورى؛ وهو االنطباع الذي نجم برأيي عن بضعة عوامل أبرزها: .1 عدم حيادية أو ضعف مهنية بعض املحررين ووسائل اإلعالم؛ الـذيـن يقومون بتغطية أداء املجلس؛ إذ يـحـرص بعضهم على اإلثــــارة أكـثـر مــن املـوضـوعـيـة، ويــقــوم بنقل (انـتـقـائـي) ملــا يدور تحت قبة املجلس؛ وهو ما حصل من إحـدى الصحف أخيرًا في تغطيتها لهذا اللقاء!. .2 حاجة إعــالم املجلس لـزيـادة مواكبته للمتغيرات؛ والسيما ما يختص بنقل صــورة واقعية ملا يقوم به املجلس من جهود؛ باعتباره جهازًا حكوميًا تشريعيًا ورقابيًا؛ يتعامل مع قضايا تشكل محور اهتمامات املواطنني؛ في إطار صالحياته النظامية. .3 تصريحات ومواقف بعض أعضاء املجلس التي يعبرون فيها عن آرائهم (الشخصية) وقـد تفهم مجتمعيًا على أنها انعكاس لـــرأي املـجـلـس (الــرســمــي)، وتــنــطــوي أحــيــانــًا عـلـى اســتــفــزاز غير مقصود للمواطنني. وقد استمعت خالل اللقاء آلراء دعت إلى مراعاة مصالح أصحاب األعمال، في اإلبقاء على من يرغبون من موظفيهم، وعدم تقييد حريتهم في االستغناء عمن يشاؤون، ورغم اتفاقي (مبدئيًا) مع هذا الطرح، إال أن ذلك كان مكفوال في نظام العمل قبل تعديله، لذلك فإن اعتراضُّ املجتمع على املادة 77، ليس على (حق) رجال األعــمــال فـي التخلص مـن املـوظـفـني (غـيـر املنتجني) بـل على ما يلي: .1 الفصل التعسفي غير املسبب ملوظفني أكفاء .2 اقتصاره على السعوديني في معظم الحاالت. .3 ضـآلـة قيمة التعويض وترهيب املوظفني. املــفــارقــة الـعـجـيـبـة هــنــا هــي أنـــه في الوقت الــذي كنا نناقش في مجلس الـــشـــورى تــوطــني الـــوظـــائـــف، كــــان ٤ مــن أصـــل ٥ مــن (مــوظــفــي استقبال) الـفـنـدق الـــذي أقــمــت فـيـه والـــذي يقع عــلــى مــرمــى حــجــر مــن مــقــر املجلس هم وافـدون!!؛ األمر الذي يطرح تساؤالت محيرة عن عدم مبادرة وزارة العمل حتى اآلن لسعودة مثل تلك الوظائف التي يسهل توطينها فــورًا؛ ســواء فـي قطاع السياحة والفندقة أو غيره من القطاعات التي يوجد بها وظائف (إدارية) مشابهة. وكــان مـن دواعـــي تـفـاؤلـي (املــشــوب بـالـحـذر مـن تأخير الـبـت في التعديالت) أن استمع خالل اللقاء ملطالبات بإعادة النظر؛ ليس فقط فـي املــادة 77 بـل وفــي جميع مــواد نظام العمل املخصصة إلنـــهـــاء خـــدمـــات املـــوظـــفـــني، وهـــــذا مـــا يــجــعــلــنــي أطـــــرح تساؤال (افتراضيًا)؛ منتظرًا إجابة مجتمع أعمالنا عليه، السؤال يقول: - هل تقبلون أن تقوم وزارة التجارة أو البلديات بإلغاء السجالت التجارية أو الوكاالت الحصرية وتراخيص األعمال الخاصة بكم؛ بدون سبب مشروع؟!. لـــو قـبـلـتـم بـــذلـــك، ســيــكــون مـجـتـمـعـنـا (مــتــفــهــمــًا) جـــدًا ملطالبكم باالستغناء عن موظفيكم السعوديني (الجيدين)، ومتعاطفًا مع رغباتكم في القيام بإنهاء عقودهم و(تشريد أسرهم) بدون سبب مشروع!، أيضًا!. أخــيــرًا، ال يسعني ســوى التعبير عــن تـقـديـري ملجلس الشورى على تجاوبه الفاعل (أخيرًا) ومبادرته الرائعة تجاه وضع حل لـلـمـادة 77، ولـكـن الـعـبـرة تظل بالنتائج (الـسـريـعـة)، مـع تقديم الشكر ملعالي رئيس املجلس لدعوته لي ولزميلي خالد السليمان لحضور جانب من جلسة املجلس بعد انتهاء اللقاءين؛ الخاص واملفتوح، خصوصًا لفتته الكريمة في الترحيب بنا تحت (القبة) الشورية لحظة دخولنا للقاعة؛ وهو ما اعتبره تقديرًا (ضمنيًا) لصحيفة عكاظ ورئاسة تحريرها التي أعطتنا ككتاب مساحة واسعة لطرح املواضيع الوطنية الهامة، راجيًا أن يتم النظر قريبا في تعزيز املجلس بصالحيات إضافية؛ تمكنه من القيام بدوره املأمول بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.