معركة اليمن املنسية
لم يعد خافيا التصاعد اليومي في أعداد اليمنيني الذين يدخلون فــي قــوائــم املـجـاعـة والـفـقـر نـاهـيـك عــن الــذيــن ينضمون إلــى أعداد الـيـتـامـى واألرامـــــل، ولـيـس ســرا يمكن إخــفــاؤه حـالـة الـتـوقـف التام للتنمية، ولكن هذه الصورة تقابلها حالة من الفساد ونهب املال العام تشترك فيه كل األطراف دون استثناء. بينما يمضي أغلب اليمنيني وهم يمثلون أكثر من ٥٨٪ حسب تقديرات املنظمات الدولية يومهم في البحث عن وجبة طعام يومية، تنشغل قيادات الحرب األهلية اليمنية في البحث عن مداخل للمزيد من الثراء وتأمني أحوالهم الشخصية، وهو أمر مشروع لو تم بطريقة مشروعة وليس تحت غطاء شعارات كاذبة مثل (دحر االنقالبيني) مـن طـرف و(حماية الـسـيـادة) مـن طـرف آخــر، ووســط هـذه الشعارات يــتــوزع الــنــاس لـلـدفـاع عــن هــذا الـشـعـار أو ذاك، ومــن السخرية أن شبكة مصالح وتهريب قد نشأت وصارت أمرا يعرفه الجميع بني عدد من أطراف الحرب األهلية، ويغفل الجميع أن الــذي يـدفـع الثمن وحـيـدا هـو مـواطـن جـائـع مـريـض بـائـس ال تعنيه كل هذه املعارك ولن تعيد له أبا قتل وال بيتا تهدم وال مدرسة أغلقت وال مستشفى أحالته الحرب أطالال. في وسـط هـذا املشهد الحزين ال يجد املــرء ما يمنحه أمـال ولـو ضئيال بمستقبل أقل قتامة وأكثر إنسانية، فالوقائع اليومية الدامية ال تعطي مؤشرا بأن القيادات اليمنية قد «تعبت» أو «أنهكت» من صور جثث اليمنيني أطفاال وشبابا ونساء وكهوال، وأشعر أن إصرار هذه القيادات على استمرار الحرب أضحى أمرا يرتبط بمصالحهم الــذاتــيــة، فليس مــن املـعـقـول أن يـكـون شـعـار حـمـايـة «الــوطــن» هدفا يسعون إليه في الوقت الـذي يستنزفون فيه كل مقدراته البشرية واملادية، والبد أن إحساسهم باملسـؤوليتني األخالقية والوطنية قد تالشى إلى حد لم يعد يجب التغاضي عنه. إن املعركة الحقيقية التي يجب التركيز عليها والتي أواصـل التأكيد عليها هي أن اليمن مسؤولية يتحمل عبئها مجلس التعاون الخليجي وعليه املسؤولية اإلنــســانــيــة والـسـيـاسـيـة لــوضــع حــد لـنـزيـف الــيــمــن، وواجــــب عـلـى دولـــه أن تضع الطرفني أمام رسالة واحدة وهي (وقف الحرب فورا) فال األوضاع اإلقليمية مريحة واستمرار الحرب اليمنية لن يزيدها إال اضطرابا، وال الصعوبات االقتصادية تتيح املجال أمـام مواصلتها لفترة أطـول، وأنـا على ثقة أن دول املجلس مقتنعة بحتمية وضع ملف الحرب جانبا والبحث في كيفية وقف االنــزالق السريع إلى هاوية التفتت الشامل لليمن، وهي أيضا قادرة على ذلك. القيادات اليمنية الحالية عاجزة عن الخروج من دائـرة املصالح الذاتية والرغبة فـي االنتقام وتصفية الخصوم، واسـتـمـرارهـا بالتحكم فـي إدارة املـوقـف سيزيد من مخاطر التفتت الكامل لليمن وسيجعلها بـؤرة دائمة لالضطرابات والقتال، وسيكون ذلك نتيجة حتمية إذا ملا يبدأ البحث السريع عن البدائل السياسية التي تفتح املجال أمام مشهد أقل سوداوية.