العبيدان: «املكان» مدخل إستراتيجي لقراءة الرواية
أشــــار الــنــاقــد الــدكــتــور مــوســى الــعــبــيــدان إلـــى أن «املـــكـــان» مهم فــي الـتـعـامـل مــع الــنــصــوص الــســرديــة ومـــن أدق مــا عــرفــه النقد األدبـــي الـحـديـث مــن املـفـاهـيـم وهــو مـكـون الـفـضـاء الـــذي يحوي الــوجــود كـلـه؛ إذ وجـــود اإلنــســان فــي الـفـضـاء املـكـانـي والزماني هــو بــدء الـحـيـاة العقلية وبـــدء تشكيل ذاكــرتــه وتــاريــخــه وهما ليس الـوجـود فحسب بـل يحمالن دالالت تكشف صــورة الواقع وفلسفة املبدع ورؤيته للكون. الفتا إلى أن الرواية هي نص مـكـانـي بـامـتـيـاز؛ إذ حيثما نـولـي نـظـرنـا فــي الفن الــروائــي يطالعنا أثــر املــكــان حـتـى ال نــكــاد نقتنع بأنه ال سبيل إلى االستغناء عن دراسته إن شئنا اإلحاطة بالرواية إحاطة جيدة واملكان يتشكل فــــي نــســيــجــهــا ويـــنـــتـــظـــم مــــع عناصرها الـــتـــي ال تـــتـــحـــرك إال فــــي فـــضـــائـــه وهو مدخل إستراتيجي لـقـراءة النصوص والوقوف عند دالالتها العميقة في مـسـتـوى االنــزيــاحــات الــتــي تقود إلى الكشف عن شعريتها. وأكـــد الــعــبــيــدان أهـمـيـة املــكــان فــي الـــدراســـات الـحـديـثـة املتعلقة بـالـسـرديـات لتزيد الــوعــي بقيمته بـاعـتـبـاره عنصرا فـاعـال في األحـــداث ولـيـس مـجـرد إطــار فهو يحيط بنا بــوجــوده ونحيط به بوعينا فحياتنا مرتبطة بأمكنة مختلفة وهي أساسا أمكنة مرجعية تاريخية ولكنها بعد تجاوز تاريخيتها تصبح أمكنة نفسية وشعرية لها جمالياتها ورمــوزهــا ودالالتــهــا يصنعها املـبـدع ويصوغها بخياله مـن معني اللغة عالم يخلقه اإلنسان لإلنسان وبقدر ما تكشف الـروايـة عن جوهرها بقدر ما تكشف عن عنصري املكان والزمان فهي تبني معمارها عليهما وتستمد مــنــهــمــا مـــعـــانـــيـــهـــا ودالالتــــــهــــــا وبني الــفــضــاء واإلنـــســـان جـدلـيـة قــويــة عبر ماليني األجيال والحياة بكل عناصرها ومــكــونــاتــهــا هـــي األمـــكـــنـــة واألزمنة واإلنسان هو أسـاس الحركة في إطار هــذيــن الــعــنــصــريــن والــفــعــل الروائي هــو فـعـل زمــكــانــي ويـحـتـفـي صاحبه بإعادة إنتاج األحداث من قبل راو ال يمكنه فصلها عن هذين املعطيني املؤسسني للفضاء الروائي.