سلطة الشيطنة واجلاهلية
تطورت املصطلحات بتطور املجتمعات التي أنتجتها. ولم تـشـع الـتـوصـيـفـات الــحــديــة عـربـيـًا ســـوى عـنـد ظــهــور الدولة القطرية. ولربما قبل 50 عـامـًا لـم نكن نسمع فـي مجتمعنا وصف إنسان بأنه علماني. على سبيل االتهام. إال مع بزوغ فــجــر الــصــحــوة إذ بـــدأ الـــفـــرز. وكــمــا أن الــصــحــويــن أطلقوا اتهامات اإللحاد والعلمنة واللبرلة والتنويرية والتقدمية. انــتــفــض الــفــريــق اآلخـــــر لــيــنــتــصــر لــنــفــســه بــالــكــام ووصــــف الـحـزبـيـن بـاإلسـامـويـن والـرجـعـيـن والـظـامـيـن وغيرها. وليس غريبًا أو مستغربًا أن تكون جميع املصطلحات وافدة ونحن مستهلكون. عـنـدمـا نــعــود بــالــذاكــرة إلـــى تــاريــخ املـصـطـلـحـات نـجـد أنها ارتــبــطــت بــاالنــفــتــاح الــبــحــثــي واملـــعـــرفـــي عــنــد الـــغـــرب الذي تجاوز الكهنوتية وأعلى مكانة الفكر وحرية الثقافة. فكان من نتاج تلك الحقبة ومـا تاها إنشاء وتوليد املصطلحات وســكــهــا وتــســويــقــهــا والـــدفـــاع عـنـهـا بــمــوضــوعــيــة ودون أي تشنج أو انفعاالت وخصومات. وكان الفضاء العربي الشرق أوسطي والشمال أفريقي أسبق منا إلى استيراد املصطلحات وتطبيقها وإنزالها على واقع لن يكون بذات املقاس. ال خاف أن اإلسامي السياسي يرى أن كل األدبيات عدا أدبياته وأدبيات مرجعياته إفــرازات جاهلية. وأن كل جاهلي عرضة لاجتثاث واالقــتــاع بالقلب والـيـد والـلـسـان. وهــذه النماذج العملية تسرح عرضًا وطــوال في الباد العربية واإلسامية. وال يـزال بعض مثقفينا وجل من اإلساموين يخشى عودة سطوتهم. وتسلطهم من خـال املجتمعات النائية والنائمة. ولـــذا تـــراه أقـــرب مــا يـكـون إلــى منهج املـهـادنـة خشية أن تتم شيطنته أو جهلنته أو استباحة دمه. ولعله لن ينجو مثقف اليوم من تجهيل أيديولوجية تقوم على الــعــداء والـبـغـض فــي الـلـه فــي ظـاهـرهـا. أمــا فــي باطنها فألنك لم تلتزم بفكر التنظيم ونظام الجماعة. وبما أنك لم تكن حزبيا بمقاس اإلخــوان وال منتميًا بمواصفات املرشد فأنت جاهلي وشيطان. كما أنك لست بسالم من شيطنة ثقافية تقوم أيضًا على انقسامات النخب الثقافية على نفسها. وتجريم كل فئة أو مجموعة ألخــرى. واإلشكالية أن الشيطنة تتجدد بتجدد تحسس املثقف منك ومنه ومن نفسه. ولن يتوقف املجتمع متفرجًا فعدم االستجابة ألعراف القبيلة تدخلك دائرة الشيطنة االجتماعية. ناهيك عن شيطنة الزوجة ألنك زوج غير منضبط. وشيطنة املذهب. وشيطنة السياسي. وشيطنة الشعب. وال أبـالـغ إن قلت إننا نعيش فـي عالم
مريض. شفاه الله.