كم نحتاج إلى الوضوح
«أملانيا ترحب بقليل من الوضوح حيال عاقات بريطانيا مع االتحاد األوروبي». «الــرئــيــس الـفـرنـسـي يـطـالـب تــرمــب بـتـوضـيـح مـوقـفـه من األزمــــتــــني فـــي ســـوريـــة وأوكــــرانــــيــــا واالتـــفـــاقـــيـــة النووية اإليـرانـيـة». عناوين نقرأها دائما في الصحف فندرك أن الوضوح هو مطلب الجميع في هذه الحياة سـواء كانوا ســاســة أو مــســؤولــني أو أشــخــاصــًا عـــاديـــني وهــــو مطلب لــم يـكـن ولــيــد هـــذا الــيــوم بــل مـنـذ القدم فالشاعر الجاهلي سبق أن قال: فــإمــا أن تــكــون أخـــي بــحــق *** فأعرف منك غثي من سميني وإال فــاطــرحــنــي واتـــخـــذنـــي *** عدوا أتقيك وتتقيني فالجميع يكره املواقف الـــرمـــاديـــة ألنــهــا سـتـجـعـل اإلنـــســـان في حيرة من أمره، تائها بني وجه الصديق والعدو، كمن يمشي في ظلمة ال يدري ما يمسكه بيده حبا كان أم أفعى! واملوقف الــرمــادي الــذي تنتهجه بعض الــدول وبعض الجماعات وبعض األفــراد تجعل اآلخـريـن سرعان ما يفقدون الثقة بهم ويتخلون عنهم. وهـو يختلف عن موقف الحياد، فالحياد موقف واضح وثابت أما موقف الهيولي وموقف الغموض املتذاكي فهو في الحقيقة موقف ترقب وانتظار إلى من تميل له الكفه وتــكــون لــه الـغـلـبـة. وفــي قـصـة مــن قـصـص األدب العربي يستبني هذا األمر جليًا في خاف املتنبي مع سيف الدولة ورحيل األخير بعد ذلـك إلـى مصر، بعد أن قـال قصيدته امليمية الشهيرة، وتحديدًا البيت الذي يقول فيه: لئن ترحلت عن قوم وقد قدروا *** أال تفارقهم فالراحلون هم فهو بذلك يطالب بالوضوح بعد أن أعياه التعايش مع موقف الغموض التي يبدو من صاحبه األمـيـر. والواقع أن سيف الـدولـة لم يطلب من املتنبي الرحيل كما أنـه لم يطالبه بالبقاء وهــذا األمــر يتعارض مـع طريقة املتنبي ومنهجه وفلسفته في الحياة.. لذلك رحل. وألجل ذلك يرى الدكتور ساجد العبدلي أخصائي الصحة املهنية أن على اإلنـسـان أال يضع نفسه في إطــار املواقف الرمادية والغامضة، وذلــك بـأن يتبع في عاقاته املتذبذبة مع الناس ثاث طرق وهي: إمــــــا أن يـــســـامـــح الستمرار العاقة. وإمـــــا أن يـــواجـــه الـــطـــرف اآلخـــــر بكل وضـــوح، رغــبــة فــي اإلصـــاح وإنجاح العاقة ال املشاحنة والعراك، ويخبره بما آمله منه أو جرح شعوره عله يصل مــعــه إلـــى مــعــالــجــة حـقـيـقـيـة واضحة بحيث ال يترك األمــر رمـاديـا معلقا. وإمــا أن يقرر تنزيل درجة العاقة أو ربما قطعها بالكامل، إن كان ذلك ممكنا أو متاحا. وإذا تعمقنا أكثر في حياة اإلنسان إلى داخل أســرتــه سنجد الـغـمـوض هــو سـبـب الكثير مــن الخافات التي تقع بني الزوجني والتي كثيرًا ما تؤدي في نهايتها إلـــى الــطــاق واالنــفــصــال إذ تــقــول عــاملــة الـنـفـس األملانية فليسيتاس هاينه: «في الغالب ال يكون السبب الذي أدى إلـــى وقـــوع الــشــجــار بــني الــزوجــني هــو الـسـبـب الحقيقي، وإنما سبب ظاهري يختبئ وراء ه شيء آخر». ويـــغـــفـــر ويتجاوز