Okaz

أملالفاران.. تنسج احلائكة منمنمةالعق­يق

- عبداهلل السفر *

بــضــع صــفــحــا­ت اقـتـضـتـن­ـي ألتــعــود عـلـى لـغـة أمـــل الـــفـــا­ران فــي روايتها «غواصو األحقاف» (جداول للنشر والترجمة والتوزيع - ٦١٠٢) ألجدني بعد ذلــك منسجمًا كــل االنـسـجـا­م مــع عــوالــم الــروايــ­ة؛ أحــداثــًا وشخوصًا ومـكـانـًا. وأول مـا يـتـبـادر، إلــى ذهــن قــارئ الــروايــ­ة فـي السعودية عندما يفتح عمال روائيا جديدًا، سؤال مفاده مدى خروج -هذا العمل- عن القالب املـعـهـود والـطـبـخـ­ة الـتـي تلوكها بـعـض األقـــالم كلما نـفـرت إلــى األوراق تسجل وقائع «رواية سعودية». الطابع العام والتكراري يقوله دائمًا سديم التشابه وإنتاج املشهد ذاته وإن بتلوينات متفاوتة بخالصة تتوقف عند الخطوة االنـفـجـا­ريـة األولــى التي قلبت األحـشـاء دفـعـة واحــدة وصدعت بـاملـسـكـ­وت عــنــه.. إلـــى درجــــة تـجـعـل املـــرء يــتــســا­ءل: هــل يــقــرأ الروائيون والـروائـي­ـات فـي السعودية إنـتـاج بعضهم بعضًا؟ ذلــك أنــه مـن املـؤلـم أن تعاد كتابة ما خطه سعد الـدوسـري وتركي الحمد وغيرهما قبل قرابة عقدين أو يزيد. دائرة التشابه الطافحة بامللل والقاتلة تنفذ أمل الفاران منها ببراعة الفتة؛ مولدة جرمًا هائال ومديدًا اسمه «غواصو األحقاف» يستطيع قارئه باطمئنان أن يقارن حضوره في الفعل الروائي والصنعة الجمالية بأسماء كبيرة نحو عبدالرحمن منيف وإبراهيم الكوني. شبكة واســعــة مــن الـتـفـاصـ­يـل زمـانـهـا الـثـلـث األول مــن الــقــرن العشرين، وفضاؤها واحة «العقيق» في بطن الصحراء بأحيائها الثالثة املنتمية إلى آل هذال وآل فواز وآل بنيان -الذين يرجعون جميعهم إلى جد أكبر هو مانع بن هادي؛ األب واملؤسس- حيث الحروب املزدهرة والغارات املتبادلة بينهم؛ ال تخفت يومًا إال لتقوم بعده رغـم العهود التي يتلونها تحت شجرة السمر؛ الشجرة األم «مريفة». وفي ظل تلك املناخات من العداوة والخصومة وثــارات االنتقام املتتابعة والكيد املستمر؛ ال تنفصم عرى االشتباك العائلي عن طريق املصاهرة، وال تعرى العالقات من مواقف الوفاء والشهامة. ينخرط غالبية األفراد في ماء القبيلة الجمعي إن غواية أو رشادًا، ويتمايز قليلون عن هذا الحس بموقف عقالني يترفع عن الدم وأسبابه، ويعلي هؤالء عالقة القربى ورابطة الجوار فوق نداء التناحر والصراع خصوصًا في املواقف الكبرى العاصفة عندما تحيط بهم؛ فتضر بأحدهم أو تنالهم جميعًا وفي وقت واحد شأن السيل «قشاش» الذي دمر املنازل وخرب املزارع فأتى على حصاد موسم كامل.. وشأن جائحة الجراد التي أعقبت السيل لتزيد ظروف «العقيق» فداحة وعطبًا لينكشف معدن األصــــال­ــــة، وأيـــضـــًا الــخــســ­ة وضعف النفس. بسطت الكاتبة الضوء بشكل إبداعي ودقيق على مرحلة، وتاريخ، وحياة بمختلف حاالتها وخباياها وهيئاتها االجتماعية ومناشطها االقــتــص­ــاديــة وتــقــالـ­ـيــدهــا الشعبية وفنونها التراثية؛ قاربتها جميعًا بخفة آسرة وانسيابية ال تعلق السرد وال تعتقله عند محطة من محطات حكاية واحــة العقيق الطويلة (٢٦٢ صـفـحـة).. مـا قـامـت بـه الــفــارا­ن هو

ًّ االلتحام بطبيعة املكان وبذاكرته واسترجاعه في سوية جمالية تجري فــي األرض، وفــي الشخصيات الـتـي تــبــدت لحمًا ودمـــًا وفــــرادة؛ عموش التاجر الحكيم العاشق الشاعر. فيحان بعقدة النقص التي تجعله دنيئًا متآمرًا. العبد جمعان في صورة الحكمة ومشاعر األبوة واالنتماء. شافي املتقلب من الضعف واللني إلـى القوة واملحبة والنخوة. جابر الغواص وحمولة الخصام التي يدفع حبه ثمنها، ومثله بتال ابنة الخال. فرجة ببنائها الجسمي املتني ومحبة األهل التي ال تنخذل وال تخذل... و: «نفال» درة العمل البديعة التي تفتقت عنها صدفة «غواصو األحقاف»؛ عاشقة ومتمردة ومنتمية أبدًا للفرح وطقوسه.. نفال التي أوصت «أمها يومًا بأال تدفن إن ماتت: أكره املكان الضيق والصمت والظلمة.. ضعوني على رأس شجرة سمر.. ألرى الشمس واملطر وأسمعكم». عندما وصلت إلى خاتمة الـروايـة هجس ذهني، احتفاء، بافتتاحية «التيه» لعبدالرحمن منيف: «إنه وادي العيون». كأنما هذا االستدعاء يمثل لي مكانًا رفيعًا أضع فيه تحفة أمل الفاران الرائعة.

* ناقد وشاعر سعودي

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia