Okaz

نشأة الفلسفة

- عبدالرحمن الثابتي *

كثيرا ما تحدث املؤرخون عن أن الفلسفة نتاج للدهشة الطبيعية الـــتـــي يـــولـــد بــهــا اإلنــــسـ­ـــان، وأن اإلنـــســ­ـان بــطــبــع­ــه ولــــد متسائال مــنــدهــ­شــا يــتــعــج­ــب مـــن كـــل شيء حـــتـــى يـــتـــم تـــرويـــ­ضـــه اجتماعيا فــيــألــ­ف كــــل شـــــيء حـــولـــه ويصبح داجنا فكريا ال يسأل عن شيء وكأنه تــــرس فـــي عــجــلــة يــــدور بــنــمــط واحد وفكر واحد حتى يعطب ويتم استبداله بترس آخر، إن كثيرا مما يحدث حولنا ليس طبيعيا ولكننا معتادون عليه ال أكثر، ولــذلــك فــإن مــن يسافر حــول الـعـالـم يستعيد شـيـئـا مـــن دهــشــتــ­ه عــنــدمــ­ا يـــرى عـــــادات غير مألوفة لديه، ولكنها سرعان ما يألفها ويصبح داجنا بنفس عاملي! يــشــيــر بــرتــران­ــد راســــل فـــي كــتــابــ­ه «تـــاريـــ­خ الفلسفة الغربية»، إلى أن الفكر الفلسفي نتاج الفكر الديني والخلق املوروثة، من جهة، ومن جهة أخرى هي نتاج البحث العلمي أن الفلسفة تحاول أن تجيب على ما لم يجب عليه العلم. ودون تقيد للفلسفة وقـد يكون راســل مصيبا في بعض مقدمته، ولكن األصل في الفلسفة نشأتها عن التأمل، بعد الفشل الالهوتي في تفسير أصل األشياء وغاية الوجود وغاية األحـــداث، فكان اإلنـسـان يتطلع إلــى تفسير يطفئ قلقه وناره املوقدة في عقله ونفسه فدخل في دوامة قلق فلسفي ومعرفي ال نهاية له، وكان الصراع على أشده بني األسئلة واألجوبة ورغم أن األسئلة تبدو قليلة إال أن بعضها لم تجد إجابة حتى هذه اللحظة، على أن الفلسفة ليست علما، ولكنها علم بالجهل، إذ إن الجهل لديها هو التحيز الوحيد، وحيث الشك املعرفي هو األصل، وحيث تكون األسئلة مقدمة على األجوبة وكما أقول دومـا، فإن األذكياء يعرفون بأسئلتهم وليس بأجوبتهم. كـمـا أن الـعـلـم يتعاطى مــع الـحـيـاة، ولـكـنـه ال يتعامل مــع مــا قبل الحياة أو ما بعدها، كما أنه ال يتعامل مع غايات األشياء واألحداث أو األخالق فلماذا تفعل الخير مثال، وملاذا تتجنب الشر، وملاذا ال نرتكب الجرائم، وما مفهوم الحياة الطيبة، وما مفهوم السعادة، وما مفهوم الخير والشر وكيف تحدث السعادة.......إلخ. ولـعـل اإلنــســا­ن كما يصفه ويكلر بـأنـه «الـكـائـن الــذي يـريـد دائما أكثر مما يستطيع والـذي يستطيع أكثر مما يجب». هذا اإلنسان تشكلت الفلسفة لـديـه عـلـى شـكـل أسـئـلـة كــبــرى، فــاإلنــس­ــان يراقب دورة الحياة من الــوالدة ثم العيش في هذه الحياة وما يعتريها من أفراح وأتراح، ونعم ونقم، حيث يمسي معافى ويصبح مبتلى، ويصبح مبتلى ويمسي معافى، ثـم يصل إلــى النهاية الحتمية، حيث املـوت ومفارقة الحياة، وهنا كانت التساؤالت الكبرى ملاذا ولد اإلنسان؟ وملاذا يعيش؟ وملاذا يموت؟ وما غاية إتيانه للوجود وغاية حياته وغاية موته؟ ثم ماذا يحدث بعد املوت؟ وماذا حدث قبل الوالدة؟ وماذا كان وماذا سيكون؟ وكيف تسير األحداث على هذه األرض؟ وهل يوجد قانون يسيرها أم أنها عشوائية؟ فكانت الفلسفة محاولة منهجية وجــادة إلدخــال العقل في العالم - كما يصفها هــورك هايمير، كــل هــذه األسئلة شكلت قلقا ال يطاق ملن رفض األجوبة.

_____________ * كاتب سعودي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia