«نزاهة» السماء

كـان األسبوع املاضي بداية املوعد السنوي لهطول املطر، الذي شمل هذه املرة عدة مناطق في توقيت واحد. هذا املوعد مع املطر يمكن اعتباره موعدًا مع «نزاهة» السماء، أو هيئة كشف الفساد السماوية التي يرسلها الله لتفضح أعمال البشر الذين يحملون مسؤولية إنـجـاز املـشـاريـع والـخـدمـات لـلـنـاس، والــذيــن كلفتهم الدولة بذلك وقدمت ألجهزتهم ووزاراتـهـم امليزانيات الضخمة التي تكفل أفضل درجات الجودة. هذه املرة انكشفت عورات كثيرة في كل املناطق التي زارها املفتش املطر، فلم تعد الحكاية خاصة بمدينة أو منطقة دون أخرى بل اتضح أن الخراب شامل وعام عندما غرقت بسببه مدن الجبال والسهول والصحاري والسواحل، حتى أبها التي ترتفع ٠٠٠٢ مـتـر عــن سـطـح الـبـحـر غــرقــت تـمـامـا، وجـعـلـت مــواقــع التواصل تتعامل مع وضعها بسخرية الذعــة تطلب تسميتها بعاصمة الـسـبـاحـة الـعـربـيـة بــدال مــن عـاصـمـة الـسـيـاحـة الـعـربـيـة. وحتى العاصمة الرياض التي تمثل املركز وتــدار بقية مناطق اململكة منها ارتبكت وتعطلت كثير من شرايينها بسبب املطر. تصريحات بعض املـسـؤولـن فــي وســائــل اإلعـــام كـانـت رثـــة، ال استشعار للمسؤولية فيها وال احترام لعقول الناس. كل طرف يركل مسؤوليته بعيدا عن ساحته، والكل يلقي باملسؤولية على غـزارة املطر غير املتوقعة، وكأنهم لو توقعوها ما كنا شاهدنا تلك السيول والبحيرات تغطي بعض املـدن، أو كأن الخلل ليس مزمنًا ولــن تعالجه اإلجــــراءات العاجلة. إنها نفس اإلسطوانة التي نسمعها منذ وقت طويل كلما زارنا املطر، والتي تؤكد أنه ال شـيء تغير في فكر املسؤولية أو محاسبة من ال ينهض بها كما يجب. وهذه املرة حدثت مفارقة طريفة عندما نشرت مواقع التواصل صــورا ألحياء أرامكو والهيئة امللكية للجبيل ظهرت في حالة طبيعية جيدة بينما املدن األخرى بجانبها ظهرت في حالة مزرية، رغم تساوي غزارة املطر هنا وهناك. وذلك ما يؤكد أن الخلل ليس بسبب غــزارة املطر بل بسبب الفارق الكبير لدى العنصر البشري لناحية التزامه بتنفيذ مشاريع البنية التحتية بالجودة املطلوبة. لقد عجزت نزاهة األرض، أو هيئة مكافحة الفساد على األرض، عن كشف فساد تنفيذ مشاريع البنية التحتية لكن هيئة نزاهة السماء تكشف في زيارة واحدة كل عام ملندوبها املخلص «املطر» كل العوار الذي نستمر في تبريره ومحاوالتنا البائسة لستره، بدال من اجتثاث أسبابه من جذورها.