Okaz

نعم للشراكة السعودية اآلسيوية

- * كاتب اقتصادي سعودي

بـالـتـمـع­ـن فــي تــاريــخ الــقــوى الكبرى وهيمنتها على العالم نجد أن كثيرا مــن الــتــقــ­اريــر اعــتــبــ­رت الــقــرن التاسع عــشــر هــو الــقــرن األوروبـــ­ـــي نــظــرا لـهـيـمـنـ­ة الكيانات األوروبية االستعماري­ة الكبرى على العالم وبخاصة اململكة املتحدة وفرنسا، وامـتـدت هـذه الهيمنة إلى بــدايــات الــقــرن العشرين فيما شهد الــقــرن العشرون هيمنة الواليات املتحدة وخاصة بعد انهيار االتحاد السوفيتي وانفراد الواليات املتحدة األمريكية بقيادة العالم، ومع االتجاهات لتعدد األقطاب وعدم وجود دولة كبرى تهيمن على كل مقدرات العالم االقتصادية والسياسية في الوقت الحاضر يرى البعض أن التقدم سيكون للقارة اآلسيوية، وهناك العديد من املؤشرات ســــواء االقــتــص­ــاديــة أو الــســيــ­اســيــة الــتــي تــرجــح هذا الـرأي، ومن أبرز هذه املؤشرات وجود أكثر من دولة آسـيـويـة تـؤثـر فــي حـجـم الــتــجــ­ارة الـعـاملـي­ـة تـأتـي في مقدمتها كل من الصني واليابان والهند وسنغافورة وكـــوريــ­ـا الــجــنــ­وبــيــة وإنــدونــ­يــســيــا وأصـــبـــ­ح لبعض الدول اآلسيوية منتجة األرز والشاي تأثيرا قويا في األسواق العاملية. وتمتلك القارة اآلسيوية العديد من املزايا واملقومات التي تساعد على االندماج والتكامل االقتصادي، حيث تحتل الـدول اآلسيوية بشكل عام ودول جنوب شرق آسيا بشكل خاص مراكز متقدمة في تحقيق معدالت نمو مرتفعة مقارنة بباقي دول العالم، كما تستحوذ دول آسيا على حصة ال بأس بها من التجارة العاملية وتمتد العالقات اآلسيوية الخليجية على مر التاريخ متأثرة بانتمائهما القاري ومستفيدة من تقاربهما الجغرافي، وخالل السنوات األخــيــر­ة املاضية ازدادت وتـيـرة الـتـعـاون الخليجي اآلســيــو­ي بشكل عــام والــتــعـ­ـاون الـسـعـودي اآلسيوي بــشــكــل خــــاص، فــنــجــد أن الــصــني تــتــجــه إلــــى تعزيز عالقاتها االقتصادية والتجارية مع دول الخليج من خـالل توقيع عـدد من االتفاقيات في مجال التجارة والصناعة والتكنولوج­يا والطاقة والتعليم. وتنظر دول الــخــلــ­يــج إلـــى الـــصـــن­ي، الــتــي تــســتــو­رد أكــثــر من نصف وارداتـهـا النفطية من دول املجلس، إلـى أنها ســـوق ضـخـمـة لـيـس فقط لـــلـــصـ­ــادرات النفطية، إنــــــــ­مــــــــا لــــلــــ­مــــنــــ­تــــجــــ­ات الــــــبـ­ـــــتــــ­ــروكـــــ­ـيــــــمـ­ـــــاويــ­ــــة والـصـنـاع­ـات املعدنية، الــــتـــ­ـي أخــــــــ­ذت تتوسع وتــــــــ­ــــــــــ­ـأخـــــــ­ــــــــــ­ــذ حـــــــــ­يـــــــــ­زا كـــــبـــ­ــيـــــرا فـــــــي الخطط واالســـــ­تـــــراتـ­ــــيـــــ­جـــــيـــ­ــات طــــويـــ­ـلــــة املـــــــ­ـــدى لــــــدول التعاون الخليجي لتنويع املــوارد ومـصـادر الدخل. وتــتــصــ­در الــســعــ­وديــة دول الـخـلـيـج فــي الــشــراك­ــة مع الصني، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما منذ 2004 إلى ،2015 ما يزيد على 409 مليارات دوالر، وقد شهدت التبادالت غير النفطية بني الصني ودول الخليج نموا متزايدا مؤخرا، بفضل اتفاقية التجارة الـــحـــر­ة بـــني الـــصـــن­ي ودول املــجــلـ­ـس، حــيــث وضعت سياسة عدم التدخل في شؤون املنطقة العربية التي اعـتـمـدتـ­هـا بــكــني، حـلـيـفـا مــوثــوقـ­ـا بــه أكــثــر مــن دول الــغــرب، وتـتـصـدر اململكة العربية الـسـعـودي­ـة قائمة الدول التي تزود الصني بالطاقة، لكونها أكبر مصدر للسوق الصينية الضخمة، حيث زودت الرياض بكني خــالل الـفـتـرة مــن 2013 وحـتـى اآلن بنحو %19 من حاجاتها من الطاقة، في حني تعمل دول الخليج على االستثمار في املصافي بالصني. وازداد حجم التعاون بني الشركات السعودية مؤخرا، منها «سابك»، التي تمتلك الحكومة الـسـعـودي­ـة فيها %70 مــن مجموع أسهمها، وغيرها من املؤسسات والشركات الخليجية الـعـامـلـ­ة فــي مــجــال الــبــتــ­روكــيــمـ­ـاويــات والصناعات املـعـدنـي­ـة والــشــرك­ــات الـصـيـنـي­ـة. وأظــهــرت البيانات الـــــرسـ­ــــمـــــ­يـــــة أن حجم الـــتـــج­ـــارة بــــني الصني والـــســـ­عـــوديـــ­ة بـــلـــغ 77 مــلــيــا­ر دوالر أمريكي في عام ،2015 مقارنة بــــ 10.3 مــلــيــا­ر دوالر أمــريــكـ­ـي لــعــام .2004 ومــا زالــت اململكة تعد أكبر مزود للنفط الخام إلى الصني، حيث يعد النفط والغاز الطبيعي من أهم ركائز العالقات االقتصادية بـني الـصـني والـسـعـود­يـة، وعـلـى الـرغـم مـن انخفاض مـــعـــدا­لت الــنــمــ­و االقـــتــ­ـصـــادي الــصــيــ­نــي فـــي الفترة األخـيـرة إال أن الصني استمرت بشراء كميات كبيرة من النفط الخام مللء خزاناتها. وتدرك قيادة اململكة أن الــزيــار­ات الخارجية للمملكة وقياداتها يجب أن تخدم التوجهات االقتصادية، فنجد أن زيارة صاحب السمو امللكي األمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد إلـى الصني قد مهدت بشكل أو آخـر للزيارة املرتقبة لخادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الـلـه لـعـدد مــن الــقــوى اآلسـيـويـ­ة الـكـبـرى على رأســــهــ­ــا الــــصـــ­ـني، ويــــأتــ­ــي ذلـــــك إيـــمـــا­نـــا مــــن قيادتنا الحكيمة بــالــدور الــذي تـقـوم بـه الـقـوى االقتصادية الــكــبــ­رى فــي االقــتــص­ــاد الــعــامل­ــي وتـعـظـيـم االستفادة من الشراكات الثنائية والجماعية من خالل مشاريع في اململكة مع هـذه الكيانات االقتصادية اآلسيوية الكبرى. ويأتي التوجه السعودي نحو االقتصاديا­ت اآلســيــو­يــة الــكــبــ­رى فـــي ظــــروف تــحــديــ­ات ومخاوف أمنية وسياسية واقـتـصـاد­يـة يمر بها الـعـالـم سواء مـــن مــحــاربـ­ـة اإلرهـــــ­ــاب وتــغــيــ­يــر اإلدارة األمريكية واختالف التحالفات الدولية يوما بعد اآلخر والتي معها تــزداد الحاجة إلــى التعاون بـني جميع الدول وبخاصة الــدول اآلسيوية من أجـل تحقيق التكامل املـــشـــ­تـــرك بــيــنــه­ــا ســـــواء عــلــى املـــســـ­تـــوى الــثــنــ­ائــي أو الجماعي، ومن أجل تحقيق ذلك بشكل عملي فالبد مــن وضـــع أســـس تـعـاونـيـ­ة بــنــاء عـلـى رصـــد حقيقي للمزايا التنافسية التي تتمتع بها الــدول اآلسيوية سواء التي تشهد نموا اقتصاديا كبيرا أو تلك التي تمتلك مـقـومـات ومـــوارد مالية ضخمة مثل الصني والــهــنـ­ـد وســنــغــ­افــورة وكـــوريــ­ـا الـجـنـوبـ­يـة وماليزيا وتــركــيـ­ـا والــــدول الـخـلـيـج­ـيـة، أو الــــدول الــتــي تفيض باملصادر الطبيعية واأليـدي العاملة الرخيصة. لقد كتبت سـابـقـا وسـأسـتـمـ­ر أكـتـب عــن أهـمـيـة التحالف مــع الــــدول اآلســيــو­يــة وعـــدم االعــتــم­ــاد عـلـى حلفائنا السابقني فقط.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia