العيسى: اإلرهاب يحكمه عالم افتراضي ال نطاق جغرافي ضيق
اإلرهاب مولود جديد من خالل جذور تغذيته الفكرية ال مجال للعاطفة الدينية في قضايا احلسم الدستوري التطرف عمد إلنشاء مواقع هزيلة للرد على نظرياته الفكرية ال نخشى االستشراق وال نعاديه لـ«ذاته»..فنحن نثق في إرثنا
التقى األمــن الـعـام لـرابـطـة الـعـالـم اإلســامــي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى عددا من املفكرين واملستشرقن ورموز األديان في فيينا. كـمـا الـتـقـى قــيــادات املــراكــز واملــكــاتــب اإلســامــيــة متعددة املظات واملرجعيات في فيينا، وهيئة اإلغاثة اإلنسانية، وأعـضـاء املركز اإلسـامـي في فيينا التابع لرابطة العالم اإلسـامـي بحضور جمع من الشخصيات اإلسامية فــي فيينا، وعـــدد مــن الشخصيات والرموز لعدد من األديان. وتـــنـــاولـــت تــلــك الـــلـــقـــاءات جميعا، الــــعــــديــــد مـــــن املــــــوضــــــوعــــــات، إذ قـــال الـعـيـسـى إن رابــطــة العالم اإلســــــامــــــي جــــســــر للتواصل اإلســــامــــي الـــعـــاملـــي فـــي بعده الوسطي الحاضن. وفــي حـديـث مستفيض عـن آفة اإلرهـاب أكد العيسى أن اإلرهاب يــحــكــمــه عـــالـــم افـــتـــراضـــي ال نطاق جغرافي ضيق، وليس هناك من سبيل للقضاء الكامل عليه إال من خال «مواجهة رسائله بكفاءة عالية هذه الرسائل التي ترسخ يوما بعد يوم مع بالغ األسف أليديولوجيته اإلجرامية وذلك لتفكيك رسائلها فهي التي تمثل مصدر إمداده وتغذيته». وأضــــــاف الــشــيــخ الــعــيــســى: «إنـــــه مـــع األهـــمـــيـــة القصوى للمواجهات العسكرية لــإرهــاب حــول العالم إال أنــه يعد بمولود جديد من خال جذور تغذيته الفكرية»، موضحا أن لإرهاب أتباعًا ينفذون أهدافه اإلجرامية حول العالم لحقوا به عبر عامله االفتراضي ال يعلم اإلرهاب عنهم شيئا وليس بينهم وبينه تواصل مباشر إال من خال رسائلهم االنتحارية، واالتباع املسبق ألساليبه املوجهة ملستهدفيه لصناعة مواد الجريمة وتنفيذها حول العالم. ولفت الشيخ العيسى إلى أن التطرف اإلرهابي عمد إلنشاء مواقع هزيلة للرد بنفسه على نظرياته الفكرية لضمان عدم إغاقها وإلعطاء تصور وهمي للسذج بهيمنة أطروحته على مخالفيه، وغالب من يقع في هذه املصيدة هم صغار الشباب حول العالم ممن تحركهم العاطفة الدينية املجردة على خلفية بعض األحداث السياسية والتي أذكتها بشدة الـشـعـارات الطائفية فـي مواجهة اإلرهـــاب، مـؤكـدا أن تلك الشعارات خدمت اإلرهــاب كما لم تخدمه أي سياقات أخرى. كـــمـــا تـــنـــاولـــت الــــلــــقــــاءات مــــع الجالية اإلســــامــــيــــة ومــــراجــــعــــهــــا العلمية الحديث عـن الخصائص الدينية الــتــي تـسـعـى بــعــض الحكومات الـــغـــربـــيـــة عــــن طــــريــــق جهاتها الـتـنـفـيـذيـة املــســؤولــة عـــن ملف االندماج منع بعض مظاهر تلك الخصوصية، ومــا صـاحـب ذلك مـن جــدل كبير ومـواقـف متصلبة ومــــواجــــهــــات حــــــادة وتــمــثــل قضية الـحـجـاب مثالها الـجـدلـي األبـــرز وربما حاليا األوحد. وقد أوضح الشيخ العيسى أن املسلم تحكمه في ذلك قواعد شرعية واضحة تسري على هذه الحاالت وغيرها، وأنه في موضوع الحجاب تحديدا فإن في البلدان ذات التحفظ عليه أو على بعض مظاهره في بعض األماكن أو على صيغة الحجاب ذاتـه -مثا النقاب- يوجد فيها أدوات دستورية وقانونية متاحة للمطالبة بالسماح بهذه الخصوصية اإلسامية، ومن ذلك اللجوء للقضاء للطعن على قرار املنع، وحــشــد الــجــهــود الـسـلـمـيـة إليــصــال الــصــوت املطاِِلب باحترام الخصوصية اإلسامية. وأضــــاف الـشـيـخ الـعـيـسـى أن «قــواعــد الشريعة املبنية على الحكم وتحقيق املصالح ودرء املفاسد تأخذ باملسلم نحو الحكمة والتصرف الرشيد، بعيدا عن العاطفة الدينية املجردة التي ضل بسببها كثير من الناس، بل قادت بـعـض الـشـبـاب إلــى تـطـرف تـحـول إلــى مـنــاجــزات تصنف ضمن األفعال الضارة وأحيانا اإلجرامية واإلرهابية». وأشــــار إلـــى أن مــن أشـــد املــخــاطــر االنـــــزالق نـحـو العاطفة الدينية املجردة بعيدا عن البصيرة والوعي فيرتد األمر سلبا على الشخص ذاته، وعلى صورة دينه لدى اآلخرين فكثير مـنـهـم -غــيــر املـسـلـمـن- يتشكل الــتــصــور عــنــده من مثل هذه التصرفات الفردية، ونتج عن ذلك خسائر كبيرة حملت بعضهم على إيجاد قوانن ذات تدابير وقائية من جهة وتزيد في موضوع االنـدمـاج حتى وصـل في بعض األحيان ملفهوم االنصهار من جهة أخرى. وتابع الشيخ العيسى «يجب أن نعلم جميعا أن هـذا كله لــم يــكــن مـــوجـــودا مــنــذ ســنــن طــويــلــة وبــحــســب نصوصه املـنـشـورة لـم يكن مقصودا بـه الـديـن اإلســامــي، بـل يشمل الرموز الدينية كافة فيمنع مثا الرمز الديني كالصليب من الـدخـول به في املــدارس الحكومية، فجاءت حكومات مدعومة بتوجهات حزبية تعبر فيما تقتضيه دساتيرهم عن رأي األغلبية الوطنية في شأن يتعلق ببلدانهم فتوجهت -ألي سبب كانت خلفية تلك التوجهات- نحو تلك الوجهة اإلقـصـائـيـة بــذرائــع عــدة منها ضـــرورة االنــدمــاج الوطني فــي الــدولــة العلمانية، إذ انـتـهـت الفلسفات والتحليات الجديدة لبعض البلدان الغربية إلى أن تلك الرموز تؤثر عـلـى املـفـاهـيـم الـوطـنـيـة فــي الــشــأن الــعــام، لـكـن مــا يخص صاحب الدين املعن في ذاته دون أن يعبر عنه في مشهد عــــــامفهذا التتدخل فيه، وهذا أعتقد أنه معلوم لكم جميعا، وأنتم أدرى مني به بكل تأكيد». وزاد أمن رابطة العالم اإلسامي «إنه باملنطق الحكيم فإنه ليس في إمكان أي أحد أن يلزم تلك البلدان بما يخالف ما انتهت إليه أغلبيتها وفصل فيه قضاؤها، لكن للجالية املــســلــمــة كــمــا قــلــنــا ســابــقــا بــحــســب األدوات الدستورية والقانونية املتاحة أن تعبر عن رأيها ومطالباتها كما قلنا وأن تطلب مساندة فعاليات دينية أخرى لها مثلما حصل بالفعل مع العديد من املؤسسات الدينية املسيحية واليهودية وهذا على وجه الخصوص يوجب علينا التفريق بن أتباع الدين املجرد، وأتباع الدين املسيس، مثلما نفرق بــن الــتــعــايــش والــتــعــاون والبر واإلقــــســــاط الـــــذي أرشــــدنــــا الله إليه في سورة املمتحنة، وبن العقيدة ذاتها فهذا شيء وذاك شيء فلكل وجهة هو موليها، واالختاف العقدي سنة كونية وعلينا الباغ وال يلزمنا اإلقناع والـبـاغ تمارسه األديــان كافة لكن يــبــقــى أن نــعــلــم أن مــــن أهـــــم أساليب الـبـاغ السلوك والتعامل األخــاقــي العالي واإليضاح والبيان الحسن وهو الحكمة التي أرشدنا الله لسلوك طريقها مع تفهم االختاف وأنه سنة كونية، وقد قال الله تعالى عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى لخلق عظيم) وقال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب ال نفضوا من حولك)». وقال الشيخ العيسى إنه «على هامش هذا املوضوع، وفي هذه الجزئية تحديدا وهي مهمة، لعلي أقـول لكم: إن التحفظ في هذا األمر، أقصد العاقات الدينية، مرتبط بما بدر من أشخاص أو مؤسسات الدين الرسمية أو األهلية
أي ديـــن كـــان فـالـحـكـم يــرتــبــط بــذلــك وال يعمم، وكيف يعمم وقد قال الله تعالى في سورة املمتحنة التي أشرنا إليها (ال ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب املقسطن)». وتــحــدث األمـــن الــعــام عــن مــوضــوع اإلسـامـوفـوبـيـا وكيف نعالجه قائا: هذا شاهد على أن هناك توجسًا وإقصاء من نـوع آخــر، لكن إذا كـان على أصحابه مامة فـإن لـه أسبابا عدة بعضها ناشئ عن بعض املسلمن أنفسهم، فتصحيح خطابهم ومراجعة سلوكهم جزء مهم في املعالجة، ولو دفعنا األمر كله هذا وغيره مما يطرح في تلكم الــســيــاقــات لــو دفــعــنــاه بـالـتـي هــي أحسن لـــوجـــدنـــا مــــوعــــود الـــلـــه فــــي ذلـــــــك، إذ أرشــدنــا سبحانه بــأن نـدفـع بالتي هـــي أحـــســـن، والــنــتــيــجــة كــمــا قال سبحانه (فــإذا الـذي بينك وبينه عـــــــداوة كـــأنـــه ولـــــي حـــمـــيـــم)، وال شـــك أن ظـــاهـــرة اإلساموفوبيا أفرزت لدى البعض عداوة مفتعلة نـتـجـت غـالـبـا عــن مــصــادر أحادية أو تـــصـــورات أو تــصــرفــات معزولة، وأقــــصــــد بـــاملـــصـــادر املــــصــــادر الجذرية وعندما أقول ذلك أقصد أن البعض زايد عليها ألي هدف كان وهم قلة كما أنهم في تنوع وتحول كحالة املد والجزر، لكن كما قلت لكم الحكمة والتعامل األخاقي الراقي مع الجميع واحترام الدساتير والقوانن، والحذر كل الحذر مـن أي تـشـدد، بـل وعليكم مراقبة اآلخـريـن فـي هــذا الصدد والتبليغ عن أي حالة سلبية ولـو باالشتباه من شأنها أن تـعـود بنتائج ال تـسـر، فسمعة ديننا والترسيخ الحقيقي والفاعل والـصـادق لتحقيقه ألسمى قيم التعايش والسلم والوئام ومحاربته للتطرف ال يعدلها شيء، وهي رسالتنا ومسؤوليتنا جميعا في أي مكان، وكل ما سبق أن أوضحته لكم ال بد أن يجري وفق القوانن املتبعة لكل دولة.