كي ال يتوهم القضاة أنهم فوق املساءلة
37 قــــرارا تــأديــبــيــا أصــدرتــهــا دائــــرة تــأديــب الــقــضــاة بـاملـجـلـس األعلى للقضاء خالل العامني املاضيني فقط ضد قضاة أقدموا على ما يوجب إنـزال العقوبة بهم جاء بينها 11 قـرارا بالفصل من الخدمة، و62 قرارا بعقوبة الــلــوم، كما جــاء فـي التقرير الــذي نشرته صحيفة املدينة يوم أمس. 37 قرارا تؤكد على أن القضاة ليسوا بمنجاة من العقوبة وليسوا فوق النظام الذي يحكم عالقة املوظف بعمله ويحدد مدى وفائه بشروط هذا العمل، ومع ذلك ال يزال كثير من الناس يتوهمون أن ال حسيب وال رقيب على القضاة، وأن جـل مـا يمكن أن يحدث لهم أن تنقض محاكم االسـتـئـنـاف أحـكـامـهـم وتـعـيـدهـا إلـيـهـم فــإن أصــــروا عـلـى مــا حـكـمـوا به أحيلت تلك القضايا املنقوضة لدوائر قضائية أخرى. وال لـوم على الناس إن توهموا ذلـك ما دام قد وقـر في أذهانهم مفهوم خـاطـئ السـتـقـالل الـقـضـاء حتى أوشــك أن يـذهـب بهم الـظـن إلــى أن هذا االستقالل ضرب من العصمة التي ال يسأل معها القاضي عن شيء وال يحاسب على شيء، وال لوم عليهم كذلك ما دامت مساءلة أولئك القضاة تتم بسرية تامة واألحكام عليهم تصدر بسرية أشد ال يبلغهم منها غير أشباح أخبار ال يعرفون الصحيح منها من الزائف. وإذا كنا نتفهم تلك الـسـريـة كـقـاعـدة عـامـة فـي محاسبة الـقـضـاة الذين يـرتـكـبـون مــا يـوجـب الـعـقـاب، فـإنـهـا تصبح غـيـر مفهومة فيما يتعلق بالقضايا التي يظهر للناس فساد أحكامها، ذلك أن علنية ما يصدر ضد القضاة الذين حكموا بمثل تلك األحـكـام أو تـورطـوا في قضايا تحيط بها الشبهات كفيل أن يحمل للناس الطمأنينة ويعيد ثقتهم بالقضاء وبالقضاة كذلك. وإذا كان مهما أن يعرف الناس بما يصدر من قرارات تأديبية ضد بعض القضاة في بعض القضايا، فإن األهم من ذلك أن يعرف القضاة أنفسهم بتلك القرارات كي ال يتوهم أحد منهم أن له العصمة، وأنه فوق املساءلة واملحاسبة.