اللي بنى «اجلبيل وينبع» كان في األصل أمريكاني!
يقول املثل املصري الشهير، «اللي بنى مصر في األصـــل كـــان حــلــوانــي»، مـعـبـرا عــن حـــالوة مصر وجـــمـــال بــنــائــهــا، وعـــراقـــة عــمــارتــهــا، وأنــــا أقول إن املهندسني واملـوظـفـني الـذيـن بـنـوا مـدنـنـا، كـانـوا فـي األصل «سباكني ومليسني»، استنادا على املثل الشعبي املحلي، «طبطب وليس يطلع كويس». مـع األمـطـار الغزيرة غير املسبوقة، التي داهـمـت املــدن والقرى السعودية، وتعثر كثير من الشوارع واألحياء واملرافق العامة، أضـــحـــى الــكــثــيــر يــتــغــنــون بــبــنــاء وتــخــطــيــط الــجــبــيــل وينبع الصناعيتني، ويــقــارنــون بــني مـدنـهـم والــــدول الـغـربـيـة، لكنهم يتناسون كيف بنيت تلك املدن، وعلى يد من تألقت. قبل الخوض في غمار املياه الراكدة، لنعد بالذاكرة للمدينتني الـجـمـيـلـتـني، لـنـعـرف ملــن الـفـضــل فــي بـنـائـهـا بـطـريـقـة حديثة، وبمواصفات عاملية، صمدت طوال 40 عاما، فال تآكلت بنيتها وال تعثرت مسيرتها. تم تأسيس الهيئة امللكية للجبيل وينبع بموجب إرادة ملكية فـي 61/9/5931هـــــــ، وقــد منحها هــذا املــرســوم سلطات كاملة، إلنــشــاء وتــطــويــر الــتــجــهــيــزات األســاســيــة فــي كــل مـــن مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتني، مع تخصيص ميزانية مستقلة، واستقالل إداري كامل، ما جعلها مؤسسة حكومية فريدة من نوعها في اململكة. قامت الهيئة فــورا باالستعانة بكل من الشركتني األمريكيتني «بكتل، وبارسونز»، لتنفيذ رؤية طموحة، رسمت بموافقة امللك خـالـد، ورعـايـة مـن ولـي عهده آنــذاك األمـيـر فهد بـن عبدالعزيز رحمهما الله، تولى اإلشــراف عليها اثنان من أهم التكنوقراط في اإلدارة السعودية، الدكتور غازي القصيبي، والدكتور جميل الجشي، اللذان لم يوكال تلك املبادرة التنموية الطموحة، ملقاولي األنفار الذين يعملون بواسطة «الخالطات» اليدوية، ويجلبون العمال من الشوارع الخلفية للمدن، بل سلمت لشركات أمريكية ومهندسني أمريكيني، ذوي كفاءة وسمعة عالية. بــنــيــت الــجــبــيــل ويــنــبــع نــهــايــة الــســبــعــيــنــات، فـــي نــفــس الوقت الــذي تدفقت فيه األمـــوال على جــدة والــريــاض والــدمــام وبقية املــدن والـقـرى، أي مـع بـدء الطفرة األولـــى، مـع مالحظة أن املدن السعودية، سلمت ملهندسني وموظفني محليني. األمــوال، والنوايا الحسنة وحـدهـا، ال تكفي لبناء األوطــان، بل قليل من التفكير يقول: إننا بال تراكم معرفي، ونفتقر لتخطيط طويل املـدى، ولذلك سيكون الهدر عاليا ومكلفا، وأنه حتى لو تعلم بعض أبنائنا الهندسة، وتخطيط املدن، فالبنية اإلدارية لدينا ضعيفة، ومعظم العاملني وصلوا إلى تلك الوظائف عبر شغور املراتب، واألقدمية، وربما املحسوبية. الفرق أن الشركة والخبير الغربي لديهما تاريخ طويل، وخبرة هائلة في العمارة وبناء املدن، والتعامل مع التحديات الطبيعية، وموظفنا، قليل الخبرة، يستخدم نظرية «طقها والحقها». انـظـروا لبيوتنا، وشـوارعـنـا، وحدائقنا، من رسـم مخططاتها، وأعطى تصاريح بنائها، تكاد تكون نسخة واحدة متكررة بال مــالمــح، راجــعــوا كمية األمـــوال الـتـي صـرفـت على التنمية، في الـعـشـر ســنــوات األخــيــرة فـقـط، لـقـد تــجــاوزت خمسة ترليونات ريـــال، سلمت لــلــوزارات والـبـلـديـات الـتـي يـرأسـهـا ويعمل فيها موظفون محليون. رفــضــنــا تــوظــيــف خـــبـــراء غــربــيــني، فـــي وظـــائـــف قــيــاديــة داخل الـــوزارات والبلديات، ليتنا نغير رأيـنـا وندعوهم للعمل على األقـــل فــي املــكــاتــب الـخـلـفـيـة، لــيــأخــذوا عـــبء الـتـخـطـيـط، ورسم السياسات، واستحضار التراكم املعرفي لديهم، كما فعلوه في الجبيل وينبع سابقا، ودبي وأبو ظبي حاليا.