أتراها عودة إلى الرشد؟
زيــارة الرئيس اإليــرانــي حسن روحـانـي لعمان والكويت، بهدف تلطيف األجواء مع الدول الخليجية واململكة بصفة خــاصــة، هــل هــي عــــودة لــلــرشــد الــغــائــب، أم إنــهــا (حالوة الروح) كما يقول املثل العامي؟ بمعنى أن إيران ملا شعرت باالختناق وأدركــت أنها تحتضر على فــراش النهاية، لم تجد بــدا مــن التسليم بحاجتها إلــى أن تبحث عــن منفذ هواء نظيف ينعش صدرها املتحشرج؟ مــا تـقـوم بــه إيـــران اآلن، كــان مــن املـفـتـرض أن تفعله منذ زمـــن طــويــل، فـالـحـكـمـة تـقـتـضـي مـنـهـا أن تــحــرص دائما على االحتفاظ بحسن العالقة مع جيرانها، الذين تتشارك مـعـهـم لــيــس فــي املـنـطـقـة الــجــغــرافــيــة وحـــدهـــا، وإنــمــا في الـديـن والـتـاريـخ والـحـضـارة، لكنها بــدال مـن ذلــك انساقت مع أوهامها الطامعة في نشر هيمنتها على دول الجوار، وأخــــذت تحشر أنـفـهـا فــي شـــؤون املـنـطـقـة وتـثـيـر القالقل وتزعزع األمن واالستقرار فيها. في العهد الترمبي، إيران وجدت نفسها مطوقة بالخطر، فــمــع رئــيــس مــنــدفــع وعــنــيــف كــتــرمــب لــيــس مــن املستبعد أن تتخذ أمريكا مـواقـف قاسية تجاه إيـــران، بما فـي ذلك مهاجمتها عسكريا، وقد يصنع ذلك منها عراقا أخرى. هــذا االحتمال املـرعـب، كــان بالنسبة إليــران جرسا منذرا أعاد إليها الرشد الغائب وأرغمها على أن تسقط عن رأسها ما ارتكز داخله من غرور وعنجهية، وأن تنظر إلى الواقع املخيف من حولها فتسعى إلى تأمني نفسها ضد ما ينبئ به من أخطار بطلب الصلح مع جيرانها، فبادرت تدعو إلى تحسني العالقة مع دول املنطقة. وبعيدا عن صدق نوايا إيـران أو كذبها في ما تبديه من رغـبـة فــي تصفية الـجـو وإزالــــة مــا هــو قـائـم مــن تـوتـر في العالقة مع الدول الخليجية، فإن استجابة هذه الدول لتلك الرغبة، ال يعني مطلقا التسليم باألمن من غدرها. فالبقاء على حــذر مــن إيـــران، يمثل ضـــرورة أمـنـيـة، البــد أن يكون موجودا في كل وقت. لكن ذلـك ال ينبغي أن يحول دون فتح بـاب الحوار معها كخطوة لحل كثير من املشكالت الناجمة عن تدخالتها غير املشروعة في شؤون دول املنطقة. فـي وقــت واحــد تقريبا، تزامنت زيـــارة الرئيس اإليراني لبعض دول الخليج، مع زيارة الرئيس التركي أردوغان. الــزيــارتــان كـلـتـاهـمـا تـسـتـهـدفـان تـقـويـة الــعــالقــة بالدول الخليجية، لكن دوافع كل منهما تختلف، فالرئيس التركي ال يزور الخليج ليحمي نفسه من ضربة خارجية تتهدده أو خطر حـصـار اقـتـصـادي يقلقه، كما هــو حــال الرئيس اإليراني، الرئيس التركي يزور املنطقة بدافع دعم وتعزيز بعض األهداف املوحدة التي تجمع بني بلده وبينها، فكال الــطــرفــني يــهــدف إلـــى حـفـظ األمـــن والــســالم والـتـغـلـب على الفوضى املنتشرة فـي بعض دول الــجــوار، وكــال الطرفني من مصلحته دعم اقتصاده عبر تعزيز تبادل االستثمارات االقتصادية، وكال الطرفني في حاجة إلى التناغم السياسي في مواجهة التحديات األمنية التي تحوم قريبا منه.