الدبلوماسية السعودية تصفع الوهم اإليراني
الــدبــلــومــاســيــة هـــي املــــــرآة الــعــاكــســة للسياسة الداخلية ألي بلد كـان. فإما أن تحفل بمعدالت نجاح قوية ملن يحسن صياغتها، أو بمستويات فشل ذريع ملن ال يتقن أبجدياتها. وعلى رأي هنري كيسنجر «تظل الدبلوماسية فن تقييد القوى»، فقواعد اللعبة السياسية الــدولــيــة تــغــيــرت وتـشـعـبـت وأصــبــح عــلــى الـــــدول أن تتمركز إقليميا وجهويا لتحفل بمواقف النجاح. وإن كــانــت دول فـضـلـت أن تـــدس رأســهــا فــي الـــتـــراب، فأخرى وعت حجم الرهان، واململكة العربية السعودية من بني الدول الــتــي تـــراهـــن عــلــى سـيـاسـتـهـا الــخــارجــيــة مـــن خــــال ترسانة دبلوماسيتها ودور قائدها األول في لعب الحلقة الفاصلة في األوقــات الفاصلة أمــام رهـانـات وقضايا ضمن إطــار القانون الدولي، دون أن تحيد عن مهمتها الثانية وهي حماية التوازن السياسي واالقتصادي األساسي للمملكة العربية السعودية ودول العالم العربي. اشتغلت اململكة العربية الـسـعـوديـة على دبلوماسيتها من أجــل مـواجـهـة الـتـحـديـات واإلسـتـراتـيـجـيـات، وذلـــك مــن خال تحالف دولــي متني مبني على الـعـاقـات الـجـيـدة. وكــان ألب الدبلوماسية السعودية الـراحــل سعود الفيصل، الفضل في بــنــاء أولـــى لـبـنـات تـلـك الـدبـلـومـاسـيـة. وال ينكر عــاقــل، الدور الــذي لعبه الــرجــل رحـمـه الــلــه، فــي جعل الـعـاقـات الخارجية للمملكة ركيزة ودعامة أصبح من خالها للمملكة دور قيادي في املنطقة يعترف به العالم بأسره. خاصة أن اململكة تبنت فــي عـهـد ســعــود الـفـيـصـل رؤى وإســتــراتــيــجــيــات أقـنـعـت بها املجتمع الــدولــي وشــركــاءهــا فــي تسوية الــنــزاعــات اإلقليمية وتبني مفهوما رياديا لألمن الوطني والقومي. وإذا استطاع أبو الدبلوماسية السعودية، وهو الذي حصد احترام الرؤساء وامللوك لحنكته وتوفقه في إدارة األزمات، فإنه استطاع أيضا أن يؤسس لسياسة خارجية تتقاسم الرؤى مع الدول الحليفة، وبذلك صارت اململكة على خطى الريادة، مع االحتفاظ بمبادئ حسن الجوار وعدم املساس باألمن الداخلي واالستقرار للدول واحترام إرادة الشعوب وقرارات الشرعية الدولية. قــــرارات املـمـلـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديــة بــقــيــادة املــلــك سـلـمـان بن عبدالعزيز، كانت حـد الفصل، ومواقفها السياسية الدولية، حد الحسم، سواء إزاء القضايا العادلة واملصيرية في الشرق األوسـط أو في العالم العربي أو تجاه الـدول والحكومات في العالم بأسره. فاململكة بمبادراتها وأطروحاتها في األزمات، ودورهــــا كــانــت حـاسـمـة ســـواء فــي الـيـمـن أو ســوريــة والعراق وليبيا. الـجـيـل الــجــديــد الـــذي يــقــود الـسـيـاسـة الــخــارجــيــة فــي اململكة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة، يسعى إلــى الـحـفـاظ عـلـى ريـــادة املنصة الــدولــيــة مــع فــروقــات بسيطة تـسـتـرعـي الــتــجــاوب مــع البيئة املتقلبة والـرهـانــات الـجـديـدة، مـن جـهـة، وحــيــازة الــريــادة في الـــقـــرارات فــي الـقـضـايـا الـحـاسـمـة مــن جـهـة ثـانـيـة ســـواء على املستوى السياسي أو االقتصادي (مجموعة .)G20 أما على املستوى السياسي واألمني، فقد أثبتت اململكة رؤيتها الراجحة في التعاطي مع قضايا دول الجوار، خاصة مع اليمن، حيث كان لها بعد نظر حول ما يمكن أن يكون عليه الوضع في حـال استحواذ إيــران على اليمن، مثلما فعلت مع سورية والعراق. فحرب اململكة لرد الخطر الحوثي في السيطرة على القصر الـرئـاسـي، مـا هـو إال تقويض للطموح الـحـوثـي ومن ورائـه إيـران في االستفراد باليمن الشقيق. فوجود اليمن في خريطة الخليج وامتداده على شريط ساحلي يسمح بالسيطرة على ممرات للماحة ومضايق مائية مهمة. أمـــــا عـــلـــى املـــســـتـــوى األمــــنــــي اإلســـتـــراتـــيـــجـــي، فـــقـــد كـــــان دور الدبلوماسية أن تسمع صوتها للعالم بـأن حربها في اليمن وتــدخــلــهــا لـــم يــكــن إال حــمــايــة ملــصــالــحــهــا ومــصــالــح العرب والعالم. وذلك من أجل تقويض طموح إيران في الوصول إلى مضايق مائية كـانـت على وشــك أن تـكـون بـوابـة لاستحواذ عـلـى كــل مــداخــل املــاحــة النفطية واملــمــرات املـائـيـة التجارية املهمة في املنطقة، بدء ا بأهم ميناء في اليمن وهو ميناء املخا الذي كان ممرا مائيا مستهدفا من قبل إيران والذي استحوذت عليه لفترة ميليشيات الحوثي وتم استعادته من قبل القوات اليمينية بمساعدة قــوات اململكة الرابضة في اإلقليم املائي. خاصة أن أهمية هذا األخير تكمن في كونه بوابة مهمة لباب املندب املؤدي إلى قناة السويس. استخفاف بعض الــدول بالخطر الحوثي فـي اليمن، لـم يكن عن دراية بحجم الخطر الذي يمثله الحوثي على املنطقة ومن ورائه إيران. فــدبــلــومــاســيــة املــمــلــكــة بــقــيــادة قــائــدهــا املــلــك ســلــمــان بن عبدالعزيز، اشتغلت على نفس نهج سابقيها بتعديات جزئية وفــق مـا تقتضيه املرحلة الحالية والـرهـانـات التي أصبحت تواجهها املنطقة. فاملختصون في العاقات الدولية، يرون أن تحرك اململكة العربية السعودية خارجيا قائم على تفاعل بني الكيانات والتاقي في اإلرادات نحو إجماع يتفادى التصادم ويبلور العمل نحو الـتـوافـق فـي الــرؤى املشتركة. وربـمـا هو األمـر الـذي جعل اإلدارة األمريكية الجديدة تلتف حـول رؤية اململكة في امللف اإليراني. لـم تكتف اململكة بحماية حــدودهــا مـن الـتـدخـات اإليرانية، فحسب بــل حــاربــت اإلرهــــاب فــي معاقله وعـمـلـت عـلـى إحال السام في دول الجوار وساهمت في حماية أراضي دول أخرى، كانت أيادي العبثية تخطط لزعزعة استقرارها كالبحرين. وإذا الـعـالـم الــيــوم، يقف مـوقـف اإلعــجــاب لــلــدور الـــذي تلعبه اململكة بمحيطها اإلقليمي واملحيط الــدولــي، فـإنـه مـن جهة أخـــرى يـكـبـر فـيـهـا جــرأتــهــا عـلـى اســتــبــاق األحــــداث وقراءتها من خال رؤيتها الثاقبة ومنطق نظرتها لحتمية التوازنات اإلقـلـيـمـيـة والـــدولـــيـــة. والــحــفــاظ عــلــى مــصــالــح الــعــرب أينما وجدت.