العباس وجابر يؤكدان أن الدورات التدريبية ليست فكرة مشبوهة
املوهبة حجر الزاوية.. جناح الورش اإلبداعية مشروط بالتخصص!
يؤمن كتاب كثيرون أن هناك ضرورة كبرى لتغيير آلية التعامل مع الفعل الثقافي والخروج به من دائرة الرتابة إلى أجواء مفتوحة، وقابلة للتفاعل واملثاقفة، ويقترحون حلوال للخروج من هذه الرتابة كعقد ورش تدريبية عـلـى الـكـتـابـة وفـــق شـــروط أدبــيــة وثـقـافـيـة صــرفــة، إذ يـــرى الــنــاقــد محمد العباس أن مسألة التدريب على الكتابة اإلبداعية (عربيًا) ينظر إليها على أنها فكرة مشبوهة، ألن اإلنسان العربي يتعامل بشيء من الريبة والحذر مع مراكز التدريب التي انتشرت كالفطر في كل الحقول، وألن تلك املؤسسات التدريبية لم تتأسس على قاعدة أو مقاصد تنموية حقيقية. ويضيف الـعـبـاس أن األمــر يـــزداد صعوبة عندما يتعلق األمــر بالكتابة اإلبــداعــيــة، إذ ال تـوجـد مــراكــز متخصصة فــي هــذا املــجــال، كما أن املثقف العربي ما زال يترفع على فكرة التدرب، األمر الذي يدفعه لتحذير الجيل الـجـديـد مــن االلـتـحـاق بــأي ورشــة تـدريـبـيـة، بــل مـحـاربـة كــل جهد فــي هذا االتجاه. ويــرى الـعـبـاس أن زحـزحـة مثل هــذه االعــتــقــادات املتحجرة ليست باألمر الـــســـهـــل. حــيــث ال يـــتـــوافـــر أي أنموذج مـعـيـاري يــحــرض على الـتـجـربـة. مقابل طـــوفـــان هــائــل مـــن الـــــــدورات التدريبية النيئة التي تسيء لإلبداع وتشوه فكرة التدريب، كما تتلف وعي وذائقة املتدرب، ويؤكد أن هذه املراكز واملعاهد ال تخلق مبدعًا من الفراغ. وال يمكنها أن تستولد كاتبًا من دون موهبة. ولكنها قد تحسن مــــن قــــدراتــــه وتــــراقــــب عــــثــــرات بداياته. وبالتالي فهي تختصر عليه سنوات من التخبط والتجريب. ويـــعـــتـــقـــد الــــعــــبــــاس أن وجــــــــود مراكز مــتــخــصــصــة فـــــي هــــــذا الـــــشـــــأن يساعد عــلــى تــغــيــر آلـــيـــات الــتــفــاعــل الــثــقــافــي التي كانت سـائـدة فـي املـاضـي، إضـافـة إلــى أن التدريب على الكتابة اإلبداعية صــار مطلبًا، ومـسـألـة الكتابة اإلبــداعــيــة مـطـروحـة بجدية ومنهجية في كــل الـثـقـافـات، إذ يـوجـد فــي هــذا الحقل مـــن املـــدربـــن مـــن تــفــوق شــهــرتــه بعض املبدعن. فيما يرى الروائي حجي جابر أن هناك جدال حول جدوى ورش ودورات كتابة الرواية التي أخذت في االنتشار أخيرًا، فــالــرافــضــون لــهــذا الــتــوجــه (وهــــم كثر باملناسبة) ينطلقون مـن فكرة مفادها أن الـكـتـابـة مــوهــبــة، واملــوهــبــة ال يمكن تقديمها ضمن وصفة ما في زمن قياسي بحيث يتشربها الشخص فتكتمل لديه متطلبات الكتابة، بينما يرى املؤيدون أن الكتابة ككثير من األمـور التي يمكن تعلمها بمعرفة مفاتيحها الرئيسية. ويرى جابر أن املوهبة ال تشكل إال قدرًا يسيرًا من املطلوب إلنجاز عمل يحتوي على الحد األدنى من الجودة، بينما يتكئ العمل الجيد بالدرجة األساس عـلـى بــذل الـجـهـد فــي تـطـويـر الـكـتـابـة وتحسينها وامــتــاك أكــبــر قــدر من أدواتها، لذا املوهبة وحدها قد تكون مفيدة للغاية في الكتاب األول، والذي يغرف فيه الكاتب من تجربته الذاتية، لكنها عادة ال تصمد بمفردها في األعمال التالية، حيث يتطلب األمر ما هو أكثر. ويتفق جابر مع العباس في أنه ال يمكن املضي قدمًا دون موهبة حقيقية، ألنها بمثابة األساس لكل ذلك الجهد الذي أتحدث عنه، فتعلم الكتابة دون موهبة يشبه إلى حد ما تعليم السباحة لشخص دون أطراف يجدف بها. إنها تلك الحاسة التي سترفده بكل اإلشارات الازمة لتلمس طريقه الصعب والطويل. ويعترف جابر أنه مع دورات تعلم الكتابة، لكنه مع ضرورة تحقق املوهبة، ألن دورات الـكـتـابـة لــن تخلق لـنـا لـغـة جــديــدة، لـكـنـهـا سـتـرشـدنـا لكيفية استخدامها، ولن تعطينا أفكارًا جاهزة، أو ترسم لنا شخصيات أعمالنا، لكنها ستخبرنا كيف نلتقطها مـن الضجيج الــذي يحيط بنا. ويشترط إلحداث أثر أن يكون املدرب كاتبًا اكتسب خبرته عبر التجريب واملمارسة الذي يحمل كل عمل له شكا وأجواء مختلفة تمامًا، وليس ذلك الذي أصدر قائمة طويلة من الروايات املتشابهة.