Okaz

واشنطن.. مخرجات متأرجحة لنظام مستقر!

- طالل صالح بنان talalbanna­n@icloud.com

ما يتفاعل هذه األيام في واشنطن، عقب تولي الرئيس ترمب، يكشف عن أسوأ ما يمكن أن تأتي به الديمقراطي­ة: عدم استقرار السياسات.. وصعوبة استشراف وتوقع السلوكيات، ليس فقط على مستوى النخبة الحاكمة، بل على مستوى مؤسسات الدولة، ككل! داخليا: بدأ الرئيس ترمب عهده بثورة عارمة على إنجازات، ولنقل: إضافات سلفه االقتصادية واالجتماعي­ة، تحمل في طياتها انقالبًا غير مسبوق وغير مستقر في حركة وقيم الليبرالية االقتصادية. انحياز غير مسبوق للعمالة األمريكية، يحمل في طياته قيمًا حمائية.. وممارسة «اشتراكية» متطرفة، تطال األسس الراسخة للبرالية الرأسمالية، التي يدعو إليها ويمثلها الحزب الجمهوري، الذي يمثله. سياسة اقتصادية تدخلية، أول من يتضرر منها قطاع املـال واألعمال األمريكي، حيث سيدفع قسرًا للهروب من السوق األمريكية، الرتفاع تكلفة االستثمار فيها، إلى فرص استثمارية واعدة في الخارج... األمر الذي، مع الوقت، سيساهم في بطء معدالت النمو، وربما يقود إلى الركود... بل وحتى، احتماالت الكساد. الرئيس ترمب نال، أيضًا: من الشق السياسي واألخالقي، لقيم املمارسة الليبرالية، التي تحكم الديمقراطي­ة األمريكية. ميوله السياسية، التي تحمل شبهة فاشية وعنصرية، تتعرض لحقوق وحريات األقليات الدينية والعرقية وحقوق املرأة في املجتمع األمريكي. هذا في حقيقة األمر أخطر ما يمكن أن يقود لعدم استقرار املجتمع األمريكي. إن انتفاضة الشعب األمريكي غير املرحبة بقدوم الرئيس ترمب، كانت تعكس خوفًا حقيقيًا على حقوق وحريات الشعب األمريكي نفسه، خاصة تلك الفئات من املواطنن األمريكين الذين ينتمون إلـى أولئك (األجـانـب) الذين يرغبون في دخول الواليات املتحدة، أو يأملون في الهجرة إليها والعيش فيها، طاملا أنهم ينتمون دينيًا وعرقيًا ومن حيث املوطن األصلي، للفئات، التي استهدفتها تلك املراسيم الرئاسية. خارجيًا: أحدث مجيء الرئيس ترمب ربكة وشيئا من الفوضى في السياسة الخارجية، طال حلفاء الواليات املتحدة وأصدقاءها، وإن كان للغرابة استثنى بعض خصومها التقليدين! لقد استدار الرئيس ترمب ٠8١ على شركائه التجارين الدولين، بل حتى على جيرانه اإلقليمين شماال (كندا) وجنوبًا (املكسيك)، لدرجة أنه شرع في بناء جدار أسمنتي يفصل بالده عن املكسيك. الرئيس ترمب لم يكتف بإعالن عزم بالده الخروج من منظمة «النافتا»، أو على األقل: إعادة التفاوض بشأنها... بل أعلن خروج بالده، من اتفاقية الشراكة التجارية عبر الهادي، التي تضم ٢١ دولة على ضفتي املحيط، عدا الصن. هذا باإلضافة إلى تحريضه ألعضاء االتحاد األوروبي على الخروج منه، تأسيًا ببريطانيا. في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الـواليـات املتحدة الحديث، يقابل الرئيس ترمب هـذا الجفاء مع حلفاء بلده التقليدين وأصدقائها، بود ملفت أللد خصومها الدولين، إن لم نقل: أعداءها ومنافسيها الكونين. الرئيس ترمب لم يفوت أية فرصة، سـواء بعد إعـالن فــوزه.. وحتى بعد مجيئه للبيت األبيض، من إبـداء إعجابه بالرئيس الروسي فالدمير بوتن! عالقة غريبة قد تقوض األسـس االستراتيج­ية للسياسة الخارجية األمريكية، رغم تأكيده - مؤخرًا - على التزام بالده بمعاهدة حلف شمال األطلسي (الناتو).. وتمسكه بقوتها االستراتيج­ية الرادعة. إال أن تقاربه مع موسكو يثير شكوك حلفائه في األطلسي حـول قضايا استراتيجية، مثل الوضع في أوكرانيا وسوريا وطموحات روسيا الكونية. في الوقت الذي يتحرش بالصن.. ويتصرف بتعال مع بعض حلفاء الواليات املتحدة التقليدين، مـثـل مــا حــدث مــع رئـيـس وزراء أســتــرال­ــيــا.. وكـــذا مـحـاولـة التنصل من بعض االتفاقات الدولية، وما يعنيه ذلك من شكوك تجاه التزامات الواليات املتحدة األمريكية الدولية. من نواح عدة، داخلية وخارجية، يعكس مجيء الرئيس ترمب أسوأ ما يمكن أن تأتي بـه الديمقراطي­ة، فـي مـا يخص اسـتـقـرار السياسات ونمطية السلوكيات ملؤسسات الحكم ورموزه. لـنـقـارن فقط االخــتــا­لف الكبير الـــذي يمكن أن يــحــدث، لــو أن الـسـيـدة هــيــالري كلينتون هــي الـتـي جـــاءت للبيت األبيض. املسألة هنا ليست من املنظور الحزبي، الذي ال بد أن يعكس اختالفات سياسات الحكم وتوجهاته، داخليًا وخارجيًا، تعكس الخلفية األيديولوج­ية للحزبن. املشكلة هنا تطال ثوابت راسخة في قيم املمارسة الديمقراطي­ة، وكذا في التوجهات السياسية، تعكس نقلة غير مستقرة، لسياسة الواليات املتحدة الداخلية والخارجية. في الواليات املتحدة ديمقراطية مستقرة، إال أن مخرجاتها ليست بالضرورة كذلك.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia