الدفن في مسقط املوت
توفي الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن في أمريكا، وبناء على وصيته سيحمل جثمانه من القارة األمريكية ليدفن في مسقط رأسه، فـي مدينة الجمالية إحــدى مــدن محافظة الدقهلية، والـتـي تقع فـي الشمال الشرقي من جمهورية مصر العربية. يلتمس املرء -أحيانا- العذر ألهل امليت إزاء رغبتهم امللحة في أن يلقوا النظرة األخيرة على جثمان مسجى لعلهم يلتمسون منه رضــــا، أو لــكــي يـتـيـقـنـوا مـــن مـــوتـــه، ولكن عليهم أن يـعـلـمـوا أن هــذا الـجـثـمـان الذي كـــان لـعـزيـز عـلـيـهـم ظــل فــي ثــالجــة املوتى أليـــام عــديــدة، قـبـل الـرحـلـة الـشـاقـة لخاليا ميتة بعد أن اكتسى الجثمان بكيس أسود بالستيكي، وربما أحيط به ثلج في تابوت خــشــبــي تـــم حــمــلــه عــلــى إحـــــدى الطائرات املــــدنــــيــــة الــــتــــي حـــمـــلـــت مـــعـــهـــا مسافرين متجهن إلى بلدانهم والحياة! فـــي طــفــولــتــي كـــانـــت لــــدي صــديــقــة، تهيم حبا بجدها الــذي أصـيـب بـمـرض عضال، فأخذته العائلة إلــى لندن ليتلقى العالج هناك، لكن الجد املؤمن والشيخ كما كانوا يـسـمـونـه، أســلــم الــــروح هــنــاك، وبــنــاء على وصيته دفن في مقابر املسلمن في إحدى ضواحي لندن. حكاية جد صديقتي تطرأ على ذهني كلما حمل جثمان من قـارة إلـى قــارة، وال أنسى الدعاء له، حد أنه صار لي قدوة فحيث ما يـدركـنـي املـــوت يـكـون قـبـري فـيـه، ال أجشم املحبن عناء جثماني. جثمان الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن يمر هذه األيـام بكثير من اإلجـراء بن قنصلية جــمــهــوريــة مــصــر الــعــربــيــة فـــي واشنطن، وإدارة الــســجــون فــي أمــريــكــا، ووساطات عـــدد مــن رمــــوز الـجـمـاعـة اإلســالمــيــة التي كان الشيخ عمر عبدالرحمن أميرها، وذلك لتسريع نقل الجثمان قبل أن يتحلل. فـــي مــعــمــعــة نــقــل الــجــثــمــان هـــنـــاك حيص وبــيــص أشــبــه بمسرحية تـراجـيـديـة حول الـــنـــقـــل واالســـــتـــــقـــــبـــــال، فـــــــــــإدارة السجون األمريكية ال مانع لديها في نقل الجثمان إلــى مـصـر، أو قــطــر.. بينما مصر وضعت اشـــتـــراطـــات حــــول الـــدفـــن والـــــعـــــزاء، وسط محاوالت أسرة الشيخ التي تود الدفن في الجمالية، مسقط رأسه، وبناء على وصيته كما يدعون. إلـــى لـحـظـة كـتـابـتـي هـــذا املـــقـــال، وجثمان الشيخ عمر عبدالرحمن في ثالجة املوتى، في أمريكا ينتظر الفرج.. ورمـوز الجماعة ينتظرون مجلس العزاء!