حنا: أقرأ الفلسفة بشكل فوضوي و«مكتباتهم» تصور شخصي
يحلق الكاتب واملـتـرجـم املغربي محمد آيــت حنا خــارج السرب في معترك الكتابة والترجمة وحتى عوالم القصة خارج القولبة التقليدية متحررًا من األقواس الحادة ومطلقًا لشغفه في الفلسفة عنان البحث ومن ثم اإلبــداع، صدر له لعام 2017 «مكتباتهم»، مجموعة قصصية بعنوان «يطير الفاسفة»، «الرغبة والفلسفة مدخل لقراء ة دولوز وغواتاري»، له من الترجمة «حصة الغريب»، «الدفتر الكبير».
•• ألن ɝɝ ه ɝɝ ا ف ɝ ع ɝ ا مكتباتهم، مكتبات اآلخ ɝɝ ري ɝɝ ن، كتاباتهم التي يعجبني، أثــنــاء الــحــديــث عـنـهـا، اســتــخــدام اســتــعــارة «الطائر الــقــمــام»، ذاك الـــذي يعيش عـلـى مــا يخلفه اآلخـــــرون، هــي إذن امــتــداد لتصوري عـن فاعلية الكتابة والــقــراءة، حيث ال نكتب إال قارئني، عبر اآلخرين. الكتاب محاولة لبناء تصور شخصي عـــن عــديــد املــكــتــبــات، مــكــتــبــات روائــــيــــني وفــاســفــة ومفكرين وسينمائيني، مكتبات ربـمـا هـم أنفسهم لـم يفكروا فيها على النحو الذي تصورته. كل مبدع إال ويمتلك تصورًا، إن مضمرًا أو مصرحًا به، عن املكتبة، من «مقبرة شوبنهاور» إلى «مكتبة الكتاب الـواحـد» عند فيتغنشتاين، إلـى «مكتبة ترنسترومر» التي يحوز فيها الخشب أهمية تفوق تلك التي يحوزها الورق، و«تجربة املكتبة الحية» عند أبي العبر... الـرهـان هو استقراء هذا التصور، استخراجه من نسق بأكمله، أو من كتاب أو حتى من بيت شعري واحد أو صورة، بل وحتى اختاقه اختاقًا، ثم جعله ينفتح على إشكال أعــم، إشكال يخص الكتابة والقراءة بــعــامــة.. وألن الـتـخـيـيـل هــو فـتـيـل هـــذا الــكــتــاب وشــعــلــتــه، فإن «مكتباتهم» عندما تصطف جنبًا إلــى جـنـب، ال تعكس سوى «مكتبتي» في نهاية املطاف.
•• درست الفلسفة وأدرسها، لكني لم أستطع يومًا أن أبني نسقًا شخصيًا للتعامل مـع هــذا املـيـدان املـعـرفـي. بيداغوجيًا «أعلم» الــطــاب طـرقـًا للتعامل مــع الــنــصــوص واملـفـاهـيـم، لـكـن العاقة تنتهي تقريبًا هنا، قراءتي الشخصية للفلسفة، قراءة فوضوية، ال أستطيع أنـا نفسي أن أبني فكرة واضحة عنها، وال حتى أن أعـــرف الـغـايـة منها، أرتـبـط بـنـص مـن الـنـصـوص، فــأقــرؤه مرارًا دون أن تكون لدي أي نية في االشتغال به أو اإلفادة منه، بعض الفاسفة أثيرون إلى قلبي (أستعمل القلب بدال من العقل)، أمثال جيل دلوز وألبير كامو ونيتشه وفالتر بنيامني، أقرأ لهم كثيرًا وأعــيــد قــــراءة مــا قــرأتــه لـهـم، ربــمــا ألنـــي أعــشــق فيهم ارتباطهم بالحياة من جهة وعنايتهم باألسلوب من جهة أخرى.
•• ألول مɝرة أقɝف عند هذه االستعارة، على رغم أنني سمعتها مـــرارًا، «اسـتـعـارة الجسر»، ربـمـا ألن سـؤالـك دعـانـي إلــى التوقف عندها والتفكير فيها. كثيرًا ما أستعمل استعارة سمعتها ذات لقاء من فم الكاتب البرتغالي غونزالو طافاريش «املترجم ينقل املــاء بكفيه مـن الكاتب إلــى الــقــارئ»، وكـنـت أتـدبـر دائـمـًا ثنائية
ُُ األمانة والخيانة انطاقًا من هذه االستعارة، حياة القارئ رهن أمانة املترجم، إن ترك املاء ينفلت من يديه قد يقتله ظمأ. أعتقد أن الجسر أيضًا استعارة جيدة: قد ينهار الجسر بالقارئ قبل وصوله، ما يعني أن الترجمة لم تكن موفقة، وقد يبدو الجسر منذ البداية هش البنيان، فيرمي القارئ الكتاب قبل الشروع في
ٌّ ٍّ قراءته؛ لكن ثمة أيضًا املترجمون/الجسور القوية التي توصل الــقــارئ بــأمــان إلــى الضفة األخــــرى.. وثـمـة احـتـمـال ثـالـث هـو ما أطمح إليه، أن يصير الجسر الغاية ال الوسيلة، أن تكون الترجمة فــي حــد ذاتــهــا أثـــرًا يـسـتـوقـف الــقــارئ، الـــذي فــضــل اإلقــامــة على الجسر متطلعًا منه إلى األفق، على أن يعبر إلى الجهة األخرى... هـل ترجماتي توصل الـقـارئ إلــى الضفة األخـــرى، أم تتركه في مكانه، أم تدعوه إلى الوقوف عندها؟ القارئ وحده يستطيع أن يجيب.
ٌّ •• أعتقد أن ɝɝ ي أق ɝɝ ل م ɝ ن أق ɝ ي ɝ م الحركة البحثية، ه ɝɝ ذا عمل ينبغي أن يضطلع به فريق بحث بأكمله. أما الفاسفة، فمن الصعب أن نحددهم الـيـوم حتى داخــل الثقافات العريقة فلسفيًا والتي لم تقطع مع تقاليدها الفلسفية حتى وقت قريب، لكن ثمة با شك محاوالت جـادة لتقديم كتابات ودراســات فلسفية بـروح حديثة (لنا في عبد السام بنعبد العالي نـمـوذج)، وأعتقد أن الفلسفة العربية اليوم مدعوة إلى التخفف قليا من ثقل األكاديمية وأن تعيد التفكير في مسألة األسلوب.