حيارى والوقت ضياع!

اليوم أضــرب القلم فتبكي الـورقـة وتحزن الكلمات.. ال يجف الحبر ارتياحًا.. كل شيء يسير باملقلوب.. أدخــل قاعة املحاضرات.. ألــتــفــت لـــطـــالب يــجــتــمــعــون حـــولـــي يــتــطــلــعــون نحوي بــغــرابــة.. أسـمـع همهمة منهم عــن جـــدوى مــا يفعلون.. أحــاول أن أقــول لهم شيئًا مناسبا علهم يقتنعون! في الخارج يلتقي بي خريج األمس يخبرني عن حلم سيطر عـلـى كـيـانـه عـنـدمـا كــان عـلـى مـــدرج التعلم ثــم تالشى! يشرح لي كيف أصبح الخوف حاضرًا في الكل.. يفصح لــي ذلــك الــشــاب الـيـافـع الـــذي تـرتـسـم عـلـى مـالمـحـه رقة يشوبها عنف ملحوظ قائال بصوت رخيم مرتجف يا دكتور أصبحنا مثل حجر املقالع يصعب تحديد مكان سقوطنا.. ننتقل مثل الظباء بني شركة وشركة يقابلنا أبناء أشخاص ساهموا في ما نحن فيه يتربعون على مقاعد جلدية فاخرة.. يعرضون علينا أقل من القليل.. عـالقـتـنـا يــا دكــتــور فــي غــيــاب تـقـيـيـم عــــادل للمرتبات فـــي املــؤســســات الــعــائــلــيــة الــخــاصــة مــثــل عــالقــة الحية بالعصفور.. ال يمكن للحية والعصفور أن يتصالحا.. مستقبلنا مدفون في البعد.. الواقع والحسرة نار تأكلنا ترمي بلهيبها في أحشائنا القلب يرتعش يبحث عن جــــواب.. تــاهــت األســئــلــة.. الــوجــع حـطـم نــافــذة الصبر.. كـــل يــــوم نــحــمــل جـثـثـنـا نــحــو أبــــــواب مـــوصـــدة ال أحد يـرغـب فينا كأننا نتجول فـي صـحـراء أفريقية نبحث عن عمل.. إن مشينا طـال املــشــوار.. وإن جلسنا قصرت أعــمــارنــا وقضمنا الــفــقــر.. أصبحنا كالتماسيح التي تصرخ وتحدق في السكون.. ال شيء يبتسم لنا.. ال شيء يمسك بشيء سـوى بياض العني ليالينا كابوس رعب وصباحاتنا وعــود دائمة ال تتحقق.. كبرنا وأعمارنا صغيرة ومــا زلنا نحدق فـي صـبـانـا.. حـيـارى والوقت ضياع.. نحن وحيدون في عذابنا.. ملاذا اخترتم لنا هذا الضياع ونحن في بداية العمر؟ ملاذا جعلتمونا نواجه تعاستنا كل يوم؟ ملاذا جعلتم املسافة بني العني والرؤى كاملسافة بني الحلم والـواقـع وال صلة؟ من الــذي نثرنا في هـذه املتاهة بالله عليك؟ يبدو أن حياتنا مملوءة بــاملــفــاجــآت فــهــل تــخــبــرنــي بــمــا يـــجـــري؟ تـــركـــت أذني تصغي وكان لي شرف الدهشة قلت له متلعثمًا يا بني كل الشعوب تنعشها األزمــات على طريقتها أو تقتلها على طريقتها. املصائب إما تعييك أو تحييك. وتركته متسائال متى يا ترى سننظر لهذه املشكلة نظرة عميقة منهجية مدروسة وبشكل علمي الحتواء هذه الثروة في هذه البالد؟ تجاهل هذه القضية يمثل خطورة رهيبة والــتــأخــر فـــي مـعـالـجـتـهـا يــزيــد األمـــــور ســــــوءا.. شباب اليوم يختلف عن األجيال السابقة إن كنتم ال تعلمون. شباب االتـصـاالت والتكنولوجيا تجاوز حاجز نقص املعلومات وعدم املعرفة.. يبدو أن مشكلته الحقيقية أنه يتعامل مع عقول تعيش في املاضي وال تعي ما وصل إليه الشباب من كفاءة وقــدرة وعلم ومعرفة.. التعامل مــع هـــؤالء الـشـبـيـبـة بعقلية الـخـمـسـيـنـات والستينات ومــخــاطــبــتــهــم بــلــغــة «ال تــقــل مـــــاذا قــــدم لـــي وطــنــي بل مــاذا قـدمـت لــه» أمــر ال يتناسب وفلسفة الـقـرن الواحد والـعـشـريـن، كيف يعطي الـشـبـاب وهــو ال يــأخــذ؟ االبن ينتمي إلى أبيه ويجله عندما يحتويه ويحبه ويحنو عليه منذ صغره ويبثه عطفه ويعلمه ويطعمه ويسقيه وينميه ويحقق له آماله وطموحاته حتى يكبر.. الشباب

fouad5azab@gmail.com اليوم يدفعون ثمن األخطاء التخطيطية والتعليمية.. نعم السياسات التعليمية القائمة على الحفظ والتلقني والتقوقع والتحجر ومخاصمة ســوق العمل حيث تم في السابق تدريس شبيبة ولفترة طويلة مناهج عفا عليها الزمن ال تحتاجها املؤسسات والشركات بحيث وجــد املتخرج فـي النهاية نفسه عـاطـال ال يجد فرصة عمل حقيقية وحتى الشاب املبتعث والــذي ابتعث في تــخــصــص مــعــني والــتــحــق بـــأرقـــى الــجــامــعــات نتيجة للتخطيط البائس وجد نفسه في النهاية كعربة قطعت ســهــال كـبـيـرًا وتـخـطـت وهــــادا وأوديـــــة وقــفــارا دون أي إشارات طرق أو عالمات سير بحيث ال تغرق وسط بحر ال تـخـوم لــه تتحالف معها شـمـس تتسلط عـلـى أرض تثير الرهبة بسبب استوائها العجيب وفي األمام خط األفــق حيث الـسـراب الــذي يوهم السائق أنـه مقبل على مياه عذبة، لكن بعد انتهاء الرحلة ال يجد السائق غير الغبار.. نعم بعض العائدين من بعثاتهم إلى أوطانهم لم يجدوا سـوى الغبار الــذي ال أعلم وال يعلمون متى سينقشع!