Okaz

األمطار الشاهد الذي ال يكذب أهله!

-

تـــأتـــي األمــــطـ­ـــار فـــي كـــل عـــــام، وينتظرها إنـسـان هــذا البلد فـي لهفة وشــوق وحب.. حتى أن األرض تبتهج عندما ينزل املطر.. ولكن، وما أقسى كلمة لكن هـذه.. إذ سرعان ما تتحول الفرحة بقدوم املطر إلـى مشاهد تراجيدية مأساوية.. يـفـعـل الـــغـــر­ق أفــعــالـ­ـه ويــغــتــ­ال الــصــغــ­ار والــكــبـ­ـار على الــســواء.. بـل وفــي هــذا الـعـام بلغ الـغـرق أبــواب املنازل.. فضال عن األضـرار البالغة التي سرعان ما كشف املطر عن سوءاتها.. وعن مدى الغش وضياع األمانة وغياب املسؤولية ومــوت الـضـمـائـ­ر.. أعـنـي بـذلـك أولـئـك الذين ال هــم لهم إال أن يكتنزوا املــال مــن غير حــق ويعمدوا إلـــى الــغــش وإلــــى املـــزايـ­ــدة عـلـى أرواح الـبـشـر األبرياء وعـلـى ممتلكاتهم ومــزارعــ­هــم.. وعـلـى الـبـنـى التحتية التى أنفقت عليها الدولة من املال الشيء الكثير.. الذي لو أنفقت على أســاس من التقوى ألنشئت مئات املدن الجديدة املتكاملة من مرافق وبنى تحتية ومبان.. وفي كـل عــام تتكرر هــذه املشاهد وتطبع فـي النفوس آالما غائرة.

وسرعان ما تنطلق أفواه املسؤولني بتصريحات رنانة علها تـسـهـم فــى امــتــصــ­اص غـضــب املــواطــ­نــني والـــوطــ­ـن.. وتنطلق الــوعــود بــإيــقــ­اع أقــصــى الـعـقـوبـ­ات عـلـى املــســؤو­لــني عــن هذه األضرار وهذه الكوارث.. ولكن وبحكم مشاهداتنا فإنه وعندما تجف األرض وتشرب ماءها يعود األمر إلى ما كان عليه قبل الكارثة إلى نقطة الصفر من جديد.. وتلف األيام ويسقط املطر من جديد وتتكرر املأساة واملشاهد بصورة كربونية وتكشف عــن أن كــل الـحـلـول الـتـى قــام بـهـا املــســؤو­لــون إنـمـا هــي أشبه بالحبر على الــورق.. ال تقوى على مقاومة املطر.. ليت هؤالء املسؤولني يدركون مــرارة اآلالم التي تحدثها هـذه األضرار.. وليتنا نقتدي ببعض املسؤولني كما هم في الــخــارج.. تجد األمطار تهطل بغزارة وفي فترات كثيرة من السنة وال ينفقون عـشـر مــا أنـفـقـنـا­ه ومــع ذلــك كــأن شيئا لــم يــكــن.. فـاملـيـاه مياه األمطار والسيول تأخذ طريقها بانسيابية وفي يسر إلى ما يفيد األرض والزرع واإلنسان.

والـجـديـد أن األمــر وقــد بلغ الحلقوم، أخــذت أصـابـع االتهام تشير إلى القصور الذاتي في عمل جهاز نزاهة املوكول إليه الـرقـابـة الـتـي تـحـدد مــن املــســؤو­ل عــن هــذه األخــطــا­ء الفادحة وتــرتــب عليه الــجــزاء الــصــارم.. حـتـى يـكـون عـبـرة ملــن يعتبر ومع ذلك فإن هذا ال يغير من األمر شيئا، إذ سرعان ما تعود الحياة إلــى رتمها الطبيعي مـن جــديــد.. ثـم يـأتـي املـطـر مرة أخـرى ليكشف عن سـوءات املسؤولني ويدفع القيمة والجزاء ذلك املواطن املسكني الذي ضرب الشلل أمالكه. ومن خالل نظرة دقيقة ومعاينة أمينة وصادقة يلقى اللوم على مشاريعنا الهالمية التي تنتصب واقفة ولكنها ال تقوى على الصمود لساعات في وجـه املـطـر.. ألن بنيتها يصيبها الـعـطـب لـلـغـش فــي مـــواد الــبـنــا­ء وفـــي املــواصــ­فــات بـعـيـدا عن الضمائر الحية واملؤمنة التي تخاف الله وبعيدا عن الرقابة األمــيــن­ــة مــع نفسها ومـــع املـسـؤولـ­يـة الــعــامـ­ـة ومـــع املمتلكات العامة. وقد سئمنا جميعا من هذه األسطوانة املشروخة التي تتكرر فــي كــل عــام ولكنها تفقد قيمتها املـعـنـوي­ـة واملــاديـ­ـة عندما تذهب هكذا أدراج الرياح.. حتى أننا أمام عقدة الذنب لم نعد نـصـدق بـهـذه األرقــــا­م الـهـالمـي­ـة والــدالئـ­ـل عـلـى األرض تؤكد صحة ما ذهبنا إليه.

فــضــال عــــن أنـــنـــا نـــهـــدر مـــصـــدر ثــــــروة ال تـــقـــاس بثمن.. أعني بذلك تلك املياه وكمياتها الكثيرة التى لو أحسن استغاللها لكانت مصدر تمويل للماء الــذي نعاني من شحه ونـدفـع مـن أجـلـه الـكـثـيـر.. إذن نحن فـي حـاجـة إلى مصداقية النظر الستثمار هذه الثروات التي تهبط علينا من السماء وتسخيرها من خالل تنظيم مجاريها لتصب في مصلحة املــزارع وفي توليد الطاقة من خالل السدود الــكــبــ­يــرة الــعــمــ­القــة وتــحــولـ­ـهــا إلـــى مــصــدر خــيــر بـــدال من األضرار والكوارث. والسؤال هنا.. إلى متى نظل على هكذا حال نندب حظنا ونندب األيام ونفسر رحمة الله على أنها هي السبب وهي املسؤولة عن الكوارث والدمار.. سبحان الله وال حول وال قوة إال بالله وحسبي الله ونعم الوكيل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia