Okaz

املدينة املنورة واحلجاب!

- علي مكي @ali_makki2

كل الشكر للملك سلمان بن عبدالعزيز وولديه األميرين سلطان وفيصل الذين أعــادوا املدينة املنورة إلـى واجهة املشهد بعد اختيارها عاصمة للسياحة اإلسالمية ،2017 وهي املكان املشع بقبس النور الكريم، وال أظن سواها بعد مكة املكرمة، هي الجغرافيا األهم ألن تكون عاصمة للسياحة الدينية على مر السنني وليس هذه السنة فحسب، ألن مشهد زوار الحرم النبوي بعشرات الجنسيات اإلسالمية وتنوع ثقافاتهم ولهجاتهم ومظاهرهم يفضي إلى قيمة كبرى كهذه، حيث املدينة املـنـورة منبع النور والـحـب، إذ يرقد هناك الحبيب املصطفى نبينا محمد عليه الصالة والسالم. كنت فيها قبل أيام وحظيت بشرف الدعوة إلى االحتفال بهذه املناسبة برفقة نخبة من الزمالء اإلعالميني، وأخذتني املدينة من مطارها إلى مستقبلها األجـمـل مـن خــالل شبابها الـرائـعـن­ي الـذيـن كـانـوا يتولون مهمة االستقبال والــتــرح­ــيــب والــدلــي­ــل إلـــى مـعـرفـة املــكــان ظــاهــرا وبــاطــنـ­ـا. كـــان معظمهم لم يتجاوز العقد الثاني من العمر، لكنهم، بحق وحقيقة، وببشاشتهم وكرم أقوالهم وحسن هندامهم وبياض خلقهم، يمثلون واجهة مضيئة للمدينة املـنـورة وكـانـوا أجمل وأهــم ما في الـحـدث، واألهــم من كل ذلــك، بالنسبة لي طبعا، أن كل الشباب الذين قابلتهم أعلنوا بفخر أنهم يحبون النادي األهلي ويميلون إليه ويتغنون بخضرته الزاهية. قلت هـذا فـأل حسن لراقي جدة وملكي الوطن أن يحبه ساكنو مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، لعله ينقذ موسمه باملحافظة على كأس خادم الحرمني الشريفني وانتزاع الكأس القارية ألول مرة في تاريخه الكبير حتى لو غضب صديقي املديني الجديد األســتــا­ذ «رامـــي داغـسـتـان­ـي» مـديـر الــشــؤون اإلداريـــ­ـة بـأحـد الـفـنـادق الكبرى هناك، فهو يكاد يكون (األزرق) الوحيد الذي قابلته في طيبة الطيبة، أمام اكتساح (أخضر) هائل يشبه أرض حديقة امللك فهد التي شهدت االحتفال في أجواء شديدة البرودة، جعلتنا، الصديقني خالد املطرفي ومنصور البدر وأنا، نغادر قبل نهاية الحفل، فقد كان املكان مكشوفا والرياح الباردة كان لعبها في تلك الليلة ثقيال جدا كما كانت فرقة الرعب الخضراء في املوسم املاضي والتي تنازلت هذه السنة عن كثير من كبريائها وسطوتها التي ال ترحم املنافسني. املهم بعيدا عن الرياضة وكرة القدم واألندية. أقول في املدينة املنورة.. العشق اليوم ليس كمثله باألمس، والحب غدا لن يكون مثله اليوم، والزعل ليس إال رضا، والخصام يغدو لقاء.. كأنما األشياء تقيم عالقات جديدة فيما بينها حتى ليغدو لالشيء قيمة الشيء نفسه. ال أظـن أنني سأكتب هنا كـل الــذي رأيــت وأدهـشـنـي، غير أن املدينة املنورة تـتـجـاوز األمــاكــ­ن األخــــرى، تـتـجـاوز الـكـتـابـ­ة إن كتبتها وتــتــجــ­اوز القراءة إن حـاولـت قـراءتـهـا. املدينة املــنــور­ة مـكـان يتجاوز نفسه باستمرار ويقدم شيئا جديدا في كل مرة كأنما أعطي سحر التغيير والتبديل كي يدهشنا ويخطفنا. كـنـت قــد كتبت فــي مـديـح املـديـنـة املــنــور­ة قـبـال وقـلـت عنها إنـهـا أمـكـنـة في مكان ينتج الطمأنينة ووداعة النفس مثلما ينتج الورد والنعناع والجمال العظيم. املدينة املنورة أغنية قديمة تتجدد من نفسها وبنفسها ولنفسها وفــي نفسها أيــضــا. ال شــيء مــن الــخــارج يصنعها، هــي تصنع نفسها من الـداخـل، لتؤكد أن املدنية مضمون وموضوع أوال، فهي، كما هو مفترض، تـمـارس ال تقال، عبر التفكير وعبر الرؤية بـدءا ثم تحقيقهما ثانيا.. وفي «املدينة» وحدها يتحقق ذلك بمضمون راق وقوي وإن اختفى الشكل البراق تماما، ذلــك أن ملعتها فـي الباطن ال الـظـاهـر، فـي البعيد ال الـقـريـب، ولذلك

ينكشف الحجاب كلما ابتعدنا في حب املدينة املنورة وعشقها املستحيل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia