تلّطف بك..!
اجلنادرية.. تظاهرة ثقافية عاملية
تـــــاريـــــخ طــــويــــل مـــــن الـــشـــغـــف والحب يجمعنا باملهرجان التراثي والتاريخي الطويل، نقف كل عام في لياليه الحافلة نــلــتــقــط صــــــورة جــــديــــدة تــكــتــب روعة هــذا الــوطــن، وتـشـكـل جـــزءا أصــيــا من ثقافته وتــراثــه، نعم الـجـنـادريـة عرس وطني يرسم معالم وتفاصيل املاضي والــحــاضــر واملـسـتـقـبـل، ويـكـشـف حجم االنـتـمـاء الــذي يسكن بـداخـل كـل شخص فينا، ينقل رسالة للعالم تخبرهم أن هـذه األرض بـدأت ببيوت بسيطة، رجـال يكسبون رزقهم تحت أشعة الشمس الحارقة، أطفال تحملوا املسؤولية مبكرًا، ونساء يشاركن في صناعة املستقبل، وطن كامل يكتب تاريخه شعرًا وقصة ويختم مساءاته بأهازيج للمطر والـريـح وحكايات التعب والحب لألرض واإلنسان والعشب. تـحـول الـجـنـادريـة إلــى ملتقى وطـنـي أكـثـر نضجًا وتـألـقـًا بـعـد أن بـلـغ دورتـــه الـثـاثـني حـيـث لــم يعد يتوقف عند التراث والفكر السعودي فقط.. بل بات يـعـكـس تــاريــخ وحــضــارة منطقة الخليج. أعــطــى مـلـك الــحــزم والــعــزم خادم الـحـرمـني الـشـريـفـني املــلــك سلمان بن عبدالعزيز املزيد من التوهج للجنادرية مع انطاقته الجديدة، وجــــــاءت املـــشـــاركـــة الـــواســـعـــة من رجاالت الدولة دليا واضحا على مــا يمثله هــذا الــعــرس الـسـنـوي، إذ بذلت وزارة الحرس الوطني التي تنظم املهرجان سنويًا جهدًا كبير بقيادة األمير متعب بن عبدالله الــذي حـول الجنادرية إلـى تظاهرة ثقافية شاملة تــجــاوزت املحلية وأصـبـحـت حـديـث املهرجانات، وبــوصــلــة األدبـــــــاء واملــثــقــفــني الـــعـــرب والعامليني. وبــــاتــــت الـــثـــقـــافـــة حــــاضــــرة بـــكـــل تــشــكــيــاتــهــا في املـهـرجـان الوطني الكبير.. فهناك أجنحة خاصة ملعرض للكتاب، ونصيب للفن التشكيلي، وحفات تــراثــيــة وشــعــبــيــة، إضـــافـــة إلــــى تـخـصـيـص لجنة للشعر الشعبي. بكل البراء ة التي تلمع في عينيها وقفت أمامي؛ والــحــيــرة تـلـتـهـمـهـا.. كـــان الـــســـؤال أثــقــل مــن أن يحتمله قلبها الصغير، ابنة أخي ذات السنوات السبع، كـان الـسـؤال يـتـردد فـي ذهنها وتحاول بخجل وضع يدها على فمها لتسكت استفهامها، دنـــوت منها ألنــتــزع هــذا الــســؤال الـغـريـب الذي يــدور فـي ذهنها، فقالت: أنــت تضحكني دائما يــا عـمـتـي، كـيـف بـاسـتـطـاعـتـك أن تفعلي هكذا دائـــمـــا..؟!! ابـتـسـمـت، دون أن أقـطـع تساؤالتها، فأعقبت حديثها تـقـول: نحن نـفـرح بضحكتك ونحبها ولـكـن أبــي ال يفعل مثلك، ملـــــاذا..؟!! إذا كان هذا طبيعيا فلماذا هم ليسوا مثلك..!! كان مــوقــفــا صـعـبـا أن أحــكــي لــهــذه الـطـفـلـة النظرة املمتلئة بالحياة ماذا يعني أن يضحك اإلنسان، ومــــاذا يـعـنـي أن يــفــرح مــن قـلـبـه ويـسـتـطـيـع أن يأسر بهذه الضحكة كل القلوب التي تحيط به. كنت في إحدى الدورات التدريبية مع مجموعة من املشاركني وكنا بحكم جلوسنا جوار بعضنا أصبحنا مجموعة واحدة، كانت عدد أيام الدورة كافية ألن نتعرف على بعضنا بالقدر الكافي، أذكـــــر فـــي آخــــر يــــوم أتــتــنــي هــــذه املــاحــظــة من إحدى الزميات والتي كانت تشاركني الضحك بــروحــهــا الـلـطـيـفـة، وفــجــأة نــظــرت إلـــي وقالت: اإلنــســان الــذي يضحك؛ هـو فقط املثقل بهموم الـحـيـاة ليخفي حــزنــه..!! وإال فـا مـبـرر للحياة حتى نضحك..!! كان املوقف كفيا بأن يصدمني للمرة الثانية على الـتـوالـي، ولــم تكن األخيرة ففي كل مرة أواجـه العالم بالضحك؛ كان هناك فيه مـن يواجهني بالدهشة واالسـتـغـراب..!! هل يبدو األمر طبيعيا ومألوفا أن يبتسم اإلنسان، وأن يجد مبر ًرا فقط ليضحك، وإن لم يجد مبر ًرا فعليه أن يتهجم ويصمت..!! هل أصبح النقيض طــبــيــعــة وأصــبــحــت الــفــطــرة الــنــقــيــة هـــي محط االستغراب..!! كان رسولنا الحبيب عليه أفضل الـصـاة والـسـام أكثر الـنـاس بشاشة وتبسما، وأعــذبــهــم نــطــقــا وحــديــثــا، وهـــل مـنـعـتـه هموم أمته مـن أن يطل على أصحابه بغير البشاشة والهدوء والسكينة؛ حاشاه حبيبي رسول الله. تــذكــرت تــســاؤل طفلتي وعـــدت أنــظــر لعينيها وهي تحدقان في مامحي، قلت لها: كل يوم هو هدية من الله لنا، لذلك من حق شكر النعمة أن نفرح به ونحياه بكل حب. تلطف بنفسك؛ عش اآلن وابتسم وامأل الحياة بالفرح..