لم نعد نفرح باملطر
«شــتــي يــا دنــيــي تـيـزيـد مـوسـمـنـا ويـحـلـى» عـنـدمـا شدت فيروز بهذه الرائعة لم يخطر في بالها أنه سيأتي على الناس زمن يتمنون فيه عدم هطول األمطار وخصوصًا فـي منطقة صـحـراويـة مثل منطقتنا والـتـي كــان الناس من قبل يستبشرون بقدوم األمطار ويتناقلون أخبارها ويـنـظـمـون فـيـهـا مــن أعـــذب األشــعــار بــل يـتـقـاتـلـون على األراضــــــي املــمــطــورة ويــقــيــمــون الــحــمــى عـلـيـهـا مـــن أجل مواشيهم. نعم أصبح الكثير بيننا ال يفرحون بهطول األمطار بل يتمنون انقطاعها، فبعض مسؤولي األمانات والبلديات ال يــرغــبــون فــي هــطــول املــطــر حــتــى ال يـنـكـشـف فسادهم وزيف مشاريع التصريف التي أعلنوها والتي استنزفت املــلــيــارات مــن مـيـزانـيـة الــدولــة وعـنـد أول اخـتـبـار أثبتت أنها ال تصلح حتى لتصريف مياه غسل الــشــوارع. كما أن الكثير مــن املـواطـنـني لــم يــعــودوا يـرغـبـون فــي هطول املزيد من األمطار فبعد أن كانت مصدر فـرح واستمتاع بـاألجـواء الجميلة أصبحت مصدرًا للرعب والهلع، فها هــي صــافــرات اإلنـــــذار والــتــي لــم يـعـهـدوهـا إال فــي حرب الخليج الثانية في التسعينات من القرن املاضي تدوي مع كل زخة مطر إيذانًا بسيل عارم، وبعد أن كانت األمطار سببًا في جلب الــرزق وإحـيـاء األرض أصبحت سببًا في هـاك الحرث والنسل وإتــاف املمتلكات فكم من شخص فقد عـزيـزا عليه فـي مياه السيول وكـم مـن شخص خسر سيارته أو أثاث منزله فيها. واملؤلم أن مسؤولي األمانات والبلديات لم يتعلموا من أخطائهم فضا عن أن يتعلموا من أخطاء غيرهم، فبعد أن تحجج املسؤولون في جدة بأنها مدينة ساحلية فوجئ الجميع بالسيول الجارفة فـي العاصمة الــريــاض وهــي املـديـنـة الـصـحـراويـة والتي ال يجاورها بحر وال يتخللها نهر حتى استبدل أهلها سياراتهم بالقوارب املطاطية وكأنهم في مدينة البندقية، وعــنــدمــا ظــن أهـــل الــطــائــف أن جـبـالـهـا سـتـعـصـمـهـم من السيول صدمتهم مشاريع التصريف الورقية بعجزها. واألكثر إيامًا أن املأساة أعـادت نفسها، فها هي املنطقة الشرقية لـؤلـؤة الخليج الساحلية تعاني مـا عـانـت منه عــــروس الــبــحــر األحــمــر جــــدة، وهـــا هــي الــخــرج الشقيقة الـصـغـرى لـلـريـاض والـتـابـعـة إداريــــًا لـهـا واملـشـابـهـة لها فــي طبيعتها تـعـانـي مــا عــانــت مـنـه شقيقتها الكبرى، والحال نفسه ينطبق على أبها والباحة الجبليتني اللتني أصابهما ما أصـاب شبيهتهما الطائف. فمتى يستشعر مـسـؤولـو األمــانــات والـبـلـديـات عظم األمــانــة املـلـقـاة على عواتقهم ويقدرون الثقة التي منحها ولي األمر لهم لكي ال يفسدوا علينا فرحة املطر. ختامًا أصبح حـال الكثير منا كما غنت فيروز «كفي يا
دنيي تنعيش ما بدنا نغرق».