Okaz

زيارة روحاني واملهمة املستحيلة

- * املحلل السياسي للشؤون اإلقليمية ومجلس التعاون

لم تشهد املنطقة العربية توترات أشد مما تمر فيه منذ قيام الثورة الخمينية عام )م1979( التي تغيرت معها قواعد اللعبة السياسية في املنطقة، وتغلغلت اليد اإليرانية في عدد من امللفات واألوراق السياسية العربية املهمة، وذلك التزامًا منها بتصدير مبادئ الثورة التي يؤكدها مضمون دستورها لتثبيت نظام (والية الفقيه) كنظام إقليمي معترف به من قبل املجتمع الدولي، في الوقت الذي تمارس فيه (إسرائيل) سياستها االستيطاني­ة بكل سلم وهدوء في تحد لقرار مجلس األمن الصادر في (ديسمبر .)م2016 وفـــي خـضـم الــتــوتـ­ـرات الـسـيـاسـ­يـة فــي املـنـطـقـ­ة الـعـربـيـ­ة تــأتــي زيــــارة الرئيس اإليراني حسن روحاني إلى دولة الكويت وسلطنة عمان في (منتصف فبراير )م2017 لتثير الــتــســ­اؤالت حــول الــغــرض منها وأهــــداف الـقـيـام بـهـا فــي هذا التوقيت تحديدًا. ولعل في النقاط اآلتية تكمن اإلجابة: أوال: قد تكون الزيارة استجابة ملا حملته رسالة سمو أمير دولة الكويت التي سلمها وزير الخارجية إلى الرئيس اإليراني في (يناير ،)م2017 إال أن املتعارف عليه فــي األصـــول واألعــــر­اف الـدبـلـوم­ـاسـيـة أن يـكـون مـسـتـوى الـــرد بمستوى االستالم، ما يعني أن يقوم (وزير الخارجية اإليراني) بتسليم خطاب الرد إلى سمو أمير دولة الكويت. ثانيًا: قد تكون الزيارة تعبيرا عن رغبة القيادة اإليرانية في التأكيد على مدى اهتمامها بتطوير عالقاتها مع دول مجلس التعاون، فإذا كان ذلك هو هدف الزيارة فإن األصول واألعراف الدبلوماسي­ة تقتضي أن يبدأ الرئيس بزيارة (الكويت) الدولة التي استلم منها الرسالة. ورغم كل ذلك، تبقى لهذه الزيارة أهمية كبرى لتوقيتها الذي جاء في فترة بالغة الصعوبة والنعكاسات­ها املهمة على العالقات الخليجية اإليرانية ستظهر نتائجها في القريب املنظور. ومــن واقــع خبرة فـي السياسة الخارجية اإليـرانـي­ـة التي يديرها فـي الـواقـع الـحـرس الـثـوري وليس وزارة الخارجية، يمكن تحليل مواقفها وتحركاتها على النحو اآلتي: أوال: بسبب السياسة األمريكية الجديدة، والـدعـوات التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب إلعــادة النظر في االتـفـاق الـنـووي اإليــرانـ­ـي، فـإن أبــرز ما تخشاه إيــران هو قيام (تحالف خليجي أمريكي) أساسه املصالح املشتركة بني الطرفني وليس قضايا حقوق اإلنسان. ثانيًا: محاولة اختراق املوقف الخليجي املتشدد لفتح قنوات جديدة للحوار السياسي مع السعودية عن طريق الكويت؛ وذلك للتقرب من دول مجلس التعاون، خصوصًا أن (السعودية واإلمارات والبحرين) تشكل تحالفًا خليجيًا صلبًا وقف أمامها بقوة وحزم عند تدخلها في شؤون البحرين الداخلية وتقديمها الدعم املادي والعسكري للميليشيات الحوثية في اليمن. ثالثًا: خشية إيران من الدور التركي املتعاظم في منطقة الخليج، والذي ترجمته الزيارات األخيرة للرئيس أردوغــان، وقلقها من تشكيل تحالف (سني خليجي تركي) يقف حجرة عثرة أمام تحقيقها ألطماعها في منطقة الشرق األوسط. رابعًا: إن تقرب إيران نحو دول مجلس التعاون واستعدادها لتقديم التنازالت للحيلولة دون تقليص دورها اإلقليمي في املنطقة، ليس سـوى تحرك مؤقت قد يتغير في أيـة لحظة بالتزامن مع أي تـطـورات تتوافق ومصالحها. وعلى أساس تلك التحركات اإليرانية والنوايا التي تختبئ وراء ها، يجب على دول مجلس الـتـعـاون أن تتخذ موقفًا متشددًا مـع إيــران قبل الـدخـول فـي أي حوار سياسي معها، وذلك بالضغط عليها لتنفيذ املطالب اآلتية إلثبات حسن النوايا: الحصول على املوافقة الصريحة واملوثقة على إحالة قضية االحتالل اإليراني للجزر اإلماراتية الثالث إلى محكمة العدل الدولية فورًا. الوقف الفوري للدعم املـادي والعسكري الذي تقدمه إلى امليليشيات الحوثية في اليمن. االتفاق على إطار خاص لبحث الحدود البحرية، خاصة النقاط البحرية ‪)2 (1،‬ مع اململكة العربية السعودية )3(و مع دولة قطر. تعهد مكتوب يصدر كوثيقة دولـيـة تنص على الـتـزام إيــران بإقامة عـالقـات حسن جــوار مـع دول مجلس التعاون مبنية على أسس وثوابت ميثاق األمم املتحدة ومنظمة املؤتمر اإلسالمي ومبادئ القانون الدولي الخاص في العالقات بني الدول، مع عدم التدخل في شؤونها الداخلية إطالقًا. وحـيـث إن تنفيذ بعض تلك املطالب هـو ضــرب مـن املستحيل؛ سيبقى أمــر تطوير الـعـالقـا­ت (الخليجية اإليرانية) يسير في االتجاه املعاكس؛ ألن االنتهازية السياسية اإليرانية التي حملها الرئيس روحاني هي التخلي عن دعم الحوثيني في اليمن خصوصًا أنها ورقة سهلة التنفيذ ولن تكبد إيران خسائر كبيرة حني املقارنة مع ما ستخسره في حال ثباتها على املوقف الداعم لهم. إال أن الـعـالج الــجــذري لتوتر الـعـالقـا­ت الخليجية مـع إيـــران يكمن ال محالة فـي ضـــرورة توقفها الفوري والجدي عن التدخل في شـؤون البحرين الداخلية الـذي يتجدد يومًا بعد يوم ودعمها لإرهاب ولكل ما يربك األوضاع األمنية ويضرب في الوحدة الوطنية. إن تنفيذ هذا األمر بحد ذاته سيبرهن على جدية إيران ورغبتها الصادقة في االستجابة ملا ورد في الرسالة الخليجية التي بعثت لها عن طريق الكويت، ليتحقق الحلم في بناء جسور الثقة والتفاهم والتعايش الدائم وخلق أجواء للتعاون االقتصادي والتجاري وتبادل املصالح املشتركة.

 ??  ?? السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر *
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر *

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia