Okaz

زحمة يا دنيا زحمة

- أحالم محمد عالقي altawati@gmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 االتصاالت 636250, موبايلي, نيز738303 تبدأ بالرمز 100 مسافة ثم الرسالة

حينما كنا صغارا كنا نسمع أغنية مصرية تقول: «زحمة يا دنيا زحمة، زحمة وتاهوا الحبايب»، وفيها مقطع ظريف يقول «زحمة وال عادش رحمة، مولد وصاحبه غايب»، وأشكر صديقتي العزيزة التي ال تود أن أذكـر اسمها ألنها فكرتني بكلمات هذه األغنية بذاكرتها األرشيفية في أغاني وأفالم زمان. املهم أصدقائي، كنا حينما نسمع األغنية نحاول أن نتخيل بصعوبة آليات الحياة اليومية في مدن مزدحمة كالقاهرة أو شنجهاي أو بيجينج أو دلـهـي أو مومباي! كان هذا بالنسبة لنا ضربا من الخيال أو كالم أفالم وأغاني نتسلى عليه. ولكننا اآلن ال نحتاج ألن نتخيل ذلك، إطالقًا، فالزحمة أصبحت جزءًا من واقعنا اليومي، ولعل من تجرأ بالخروج في األيام القليلة املاضية في مدينة جدة العامرة املدعوة سابقا «أم الرخا والشدة» يشهد على ذلك. فماذا حدث بالضبط: انفجار سكاني أم شلل تام في املرور أم هل قرر فجأة جميع سكان العالم أن يأتوا ليزورونا ليوسعوا صدورهم بمناسبة الغيم والطقس العليل في ربوع بالدنا العزيزة؟ فعدد السيارات املهول في الشوارع املقرون ببطء حركة السير، كانا فـي األيــام املاضية فوق-خياليني! كنت أفــرك عيني ألصــدق مـا أرى: صفوف طويلة من السيارات املزدحمة امللتصقة ببعضها بطريقة خطرة ومزعجة ومرعبة تمتد بطول البصر! السيارات واقفة تماما وحــركــة الـسـيـر أبــطــأ مــن زحـــف الــقــواق­ــع الــتــي يسميها الفرنسيون «اإليسكارجو» وهي باملناسبة من الوجبات املحترمة. مــا علينا مــن هـــذا اآلن ودعــونــا مــن ســيــرة الـفـرنـسـ­يـني لـنـعـود ألرض الواقع، وزحف سياراتنا املصونة في الزحام الذي كلف بعض املوظفني ضعف أو ضعفي الوقت ليصلوا ملنازلهم في هذه الزحمة. وطبعا نظرًا لـالزدحـام فالسيارات التصقت ببعضها ورأيـنـا حــوادث عـديـدة. فمن الطبيعي فـي وضــع مـزدحـم حينما تتوتر األعـصـاب ويـحـدث تأخير أن يحاول كل قائد سيارة أن «يطاحش» على قول إخواننا اللبنانيني ليسلك قبل اآلخر. فاالزدحام يولد التالصق املكاني. وأذكــر ذات مـرة أن بروفيسورا في علم األنثروبول­وجي تحدث عن ذلك يصف سيكولوجية الزحام وكيف أن املسافات التي يتركها األشخاص بينهم وبـــني اآلخــريــ­ن تختلف بــاخــتــ­الف املـجـتـمـ­عـات والــثــقـ­ـافــات. ففي املجتمعات املزدحمة مثل الهند أو الصني يكون معتادا أن يلتصق الناس ببعضهم عند السير أو عند الوقوف بطابور وال يجدون في ذلك غرابة وذلك من االنفجار السكاني وكثرة الناس، فتعود الناس على ترك مسافات قليلة جدا بينهم وبني اآلخرين. وأما في املجتمعات الشمال أوروبية مثال فإنك إن اقتربت زيادة عن اللزوم قليال من شخص وأنت تقف في طابور فسوف يمتلئ منك رعبًا ويلوذ منك فرارًا مفسرًا ذلك بطريقة سلبية جدا فأنت بفعلك ذلك قد اخترقت هالته الوهمية املعتادة. نعود مـرة أخـرى ألرض الواقع لنترك الشمال أوروبـيـني في حالهم، فما الــذي يحدث فـي جــدة؟ وملــاذا حركة السير املشلولة و«املقعدة» هــذه؟ ربما أكــون في فقاعة وهمية منفصلة عن الـواقـع؟ فهل هناك مناسبة عظيمة لخروج الجميع سويا؟ هل هناك حدث ما قد فاتني؟ هل اتفق جميع سكان املدينة على الصمت وتكميم املوضوع عني؟ هـل كلكم مــدعــوون لحفل ال أعــرفــه؟ أم هـل هـنـاك فعاليات لـم أسمع عنها؟ ولـكـن لـو عــرف أحــد منكم أصـدقـائـي أسـبـاب الــزحــام وعرقلة السير فليقل لي – مشكورًا. وباملناسبة وصلت صديقة لي بيتها يوم أمس بعد الدوام فأخذتها الرحلة ساعة ونصف بـدال من نصف الساعة، نتج عن ذلـك فقدانها لــإحــســ­اس فــي قـدمـيـهـا صــعــودا إلـــى ظـهـرهـا وحـيـنـمـا فـتـحـت باب السيارة لتنزل وجدت نفسها تتكوم على األرض بال حراك! وهذه ضريبة الزحمة يا كرام.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia