Okaz

أزمة تفكير ال أزمة متويل

-

أحسن صنعا رئيس املجلس البلدي بمنطقة عسير باستقالته، فهذا ما يتوقع من أي صاحب منصب شجاع لم يتمكن من الوفاء بوعوده، غير أن القضية أبعد من ذلك، تتمثل في لوحة نحاسية تحمل اســم «املجلس الـبـلـدي» فـي كـل مدينة، يـأتـي «ديوانيتها» أنـــاس جــيــدون مهامهم مـعـروفـة ومـعـلـنـة، لكنهم ال يستطيعون القيام بها، برغم خوضهم جولة، وربما جــوالت انتخابية فازوا فيها. يبدو أن وزارة الشؤون البلدية حني أوجـدت مجلسهم إنما أرادته حلية أو رمزا لهيئة رقابة صورية، ظنت أنها تنفع وال تضر، فإذا ضررها، بدون صالحيات، أكبر من نفعها. غـطـت مــآســي مــشــاريـ­ـع وزارة الــشــؤون الـبـلـديـ­ة ســــوءات مشاريع كــثــيــر­ة، ضـحـايـا بـشـريـة وخــســائـ­ـر مــاديــة وتــعــريـ­ـض سـمـعـة البلد لالنتقاد بتناقل وكاالت األنباء صور مدننا الغارقة، ليس نقصا في التمويل وإنما قصرا في الرؤية. سمعنا الوزير يشرح فلسفة تبني مشاريع تصريف األمطار، مشاريع وقتية ألن تكلفة املشاريع طويلة األمد خرافية، وكأن ميزانية مشاريع الوزارة ليست خرافية، تشيد مشاريعها بناء على معدالت تساقط للمياه قديمة. يبدو أن الــوزارة ال تعرف شيئا عن تغير املـنـاخ، وال تقرأ عن االنبعاث الـــحـــر­اري، وذوبــــان جليد الـقـطـبـن­ي، وارتــفــا­ع درجـــة حــــرارة الكرة األرضـيـة، مستشارو الــوزارة ال يعرفون عن مشاريع تصريف في دول أخـــرى تعمر ألكـثـر مــن نصف قـــرن، خـبـراؤهـا ال يعلمون أن بعض مشاريع التصريف القديمة، منذ العهد العثماني، مازالت تعمل، أركانها ال يعرفون أن مجرى عني السيدة زبيدة، منذ العهد العباسي، مازال يعمل. في تنفيذ املشاريع، هناك ثالثة أضالع ال رابع لهم، مخطط ومنفذ ومستلم، أي خطأ إنما يتحمله أحدهم أو اثنان منهم أو ثالثتهم، مــخــطــط ومــســتــ­لــم رســمــيــ­ان وبـيـنـهـم­ـا مـــقـــاو­ل، تـحـكـمـهـ­م جميعا مسطرة واحـدة ملقاييس الجودة. في وزارتنا املوقرة، ومن تبرير الوزير األخير، يبدو أن الخطأ منهجي مبني على سوء تقدير أنتج سوء تخطيط، ذات التفكير وذات التخطيط منذ أول سد أنشأناه وأول مشروع تصريف سيول عهدناه، نسخ ولزق ملشاريع قديمة بمبالغ جديدة خيالية، وعندما تفاجأ الــوزارة بمعدالت تساقط جـديـدة تكرر حجتها القديمة أنها مـعـدالت غير مسبوقة، مـع أن هذه الكميات تتكرر علينا كل عام منذ نحو عقد. للتخطيط، كما يعرف طالب السنة األولى بكليات اإلدارة، خطوات لعل أهمها الـقـدرة على التنبؤ وجمع املعلومات، هـو استشراف للمستقبل وليس استحضارا للماضي، هو االستفادة من الطرق البالية لبناء نماذج جيدة معاصرة. كل هذا يعرفه السادة أركان الوزارة فلم ال يطبقونه، هل هي بالفعل أزمة فكر وتخطيط، أم هو نقص مراقبة ومحاسبة؟ لم ال توجه لهم «نزاهة» بعض وعظها، أليس نقصا مهنيا عـدم مجاراة علوم العصر، أليس هـدرا ماليا تنفيذ مشاريع هالمية تسقطها رشة مطر، أليس استهانة بأرواح الناس وممتلكاتهم تعريضهم للخطر، أال يكفي ما مر من نذر؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia