Okaz

سلفية التوحيد وسمو الهدف!

-

لم تسمح اململكة العربية السعودية بقيام األحزاب والجماعات السياسية والدينية، وبالتالي ال يمكن ربط توحيد هذه األرض بلحظاته الصعبة بأي أيديولوجية صحوية أو إخوانية أو غيرها، فموقف املؤسس رحمه الله في رفضه العودة عن مسيرته مفضال املوت على أسوار الرياض، داعيا أولئك الذين يرغبون املوت معه إلى الوقوف إلى يمينه واآلخرين الذين يفضلون العودة إلى يساره، ولم يتردد رجاله ووقفوا إلى يمينه وصاحوا بصوت واحد «حتى املوت». هذا ملمح بسيط من ملحمة توحيد هذه األرض والذي قام على عقيدة التوحيد الخالص من نبعها السلفي الصالح. فاململكة تعلم أن قيام أي أحزاب أو جماعات على أرضها املوحدة، إنما هي دعوة إلى الفرقة وتأسيس للخالف وتأجيج لنار الفنت. ذكر محمود عبدالحليم في كتابه (اإلخــوان) بأنهم يقيمون الدولة ويـسـقـطـو­نـهـا ومـــا يـتـبـعـهـ­ا مــن فــوضــى ودمــــار ودمـــــاء. سئلت اللجنة الدائمة لإلفتاء برئاسة الشيخ بن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي والـشـيـخ عـبـدالـلـ­ه بــن قـعـود عــن حـكـم تـعـدد الجماعات واألحزاب في اإلسالم وما حكم االنتماء إليها فكان جوابها «ال يجوز أن يتفرق املسلمون في دينهم شيعا وأحـزابـا، فإنه مما نهى الله عنه وذم من أحدثه أو تابع أهله وتوعد فاعله بالعذاب األلــيــم»، ويـضـيـف الـشـيـخ ابــن بــاز رحــمــه الــلــه «ال شــك أن كثرة الفرق والجماعات في البلد املسلم مما يحرص عليه الشيطان أوال وأعداء اإلسالم من اإلنس ثانيًا»، ويقول الشيخ ابن عثيمني عــن الــصــحــ­وة اإلســالمـ­ـيــة «لــيــس فــي الــكــتــ­اب والــســنـ­ـة مــا يبيح تعدد الجماعات واألحــزاب بل فيهما ذم لذلك»، كما أن الشيخ األلباني يرى أن «التحزب والتكتل في جماعات مختلفة املناهج واألساليب ليس من اإلسالم في شيء بل ذلك مما نهى الله عنه»، ويـؤكـد الشيخ بكر أبــو زيــد أن هــذه القضية مــرادفــة لالعتقاد «فالجماعات إن استشرى تعددها في جزيرة العرب فهو خطر داهــم يهدد واقعها ويـهـدم مستقبلها ويجعلها مجمع صراع فكري وعقدي وسلوكي، فمن الواجب تنظيف هذه الجزيرة من تلكم املناهج الفكرية املبتدعة واألهواء الضالة، وأن تبقى عنوان نصرة للكتاب والسنة والسير على هدى سلف األمة حربًا للبدع واألهواء املضلة»، هذه األقوال تدحض كل من يربط بني ملحمة التأسيس وسمو الهدف وأي أيديولوجية سياسية أو دينية، كما تـوضـح مـوقـف اململكة فـي وجــود أي تنظيم أو تـيـار على أرضها منذ الدولتني السعوديتني الثانية والثالثة. وقد تحدث الـشـيـخ بـكـر أبــو زيــد عــن أهـمـيـة لـــزوم الـسـنـة والـجـمـاع­ـة وعدم الـخـروج على السياق السلفي، كما أكــد على ضــرورة أن تكون (الدعوة) إلى الله وفق املنهج الصحيح فهذه الدعوة «توقيفية» أي تـتـوقـف عـلـى الـنـص ولـيـسـت اجـتـهـادي­ـة، وهــو عـكـس شعار اإلخوان في مسائل االختالف في املنهج بأنها مسائل اجتهادية تنظيمية بـل أكــد على مـا أسـمـاه «وحـــدة االســم واالنــتــ­مــاء» في إشــارة إلـى أن السلفية بمعناها الشمولي العام غير قابلة ألي انقسام من داخلها، محذرًا من مخاطر وجود تنظيمات وأحزاب داخـــل املـجـتـمـ­عـات اإلســالمـ­ـيــة بشكل عــام واملـجـتـم­ـع السعودي بشكل خـــاص، وأنـــه فــي حـالـة وجـــود أحـــزاب وتــيــارا­ت سيكون الوالء للحزب وليس لإلسالم كما يحدث اآلن، كما أن فتح املجال لألحزاب يقتضي دخـول من ينتسب إلى اإلســالم وهو يحاربه بدعوى االجتهاد، في إشــارة إلـى اإلخــوان والجماعات األخرى التي تعتقل الفكر وتسجنه داخــل أفكار املرشد للجماعة الذي تمنحه هذه األحزاب التقديس والوالء املطلق ألفكاره ومواقفه. إن وجـــود هــذه األحــــزا­ب فــي املجتمعات اإلســالمـ­ـيــة أمــر بدعي محدث ومن التنابز باأللقاب املذموم شرعا، كما أنها خطر داهم يهدد واقعها ويهدم مستقبلها ويجعلها مجمع صـراع فكري وعقدي وسلوكي فمن الواجب تنظيف هذه الجزيرة من املناهج الفكرية املبتدعة واألهواء الضالة لذا فقد رفض املؤسس بذكائه الحاد طلب حسن البنا تأسيس مركز جماعة اإلخــوان وقـال له «كلنا إخوان ومسلمون في نفس الوقت». يقول صالح الطائي في كتابه (التيار اإلسالمي في الخليج) إن تنظيم اإلخــوان لم يتمكن من فتح فـرع له في اململكة ورفضت طلبات قياداتهم بهذا الخصوص، فالدولة السعودية ال تخلط بني الدين والسياسة وهــذا ما يؤكده املؤسس على لسان أمني الريحاني. عالوة على اختالف املفاهيم، فال يوجد في اإلسالم إال بيعة عامة وتنعقد بموافقة أهل الشوكة والحل والعقد وهو عكس مفهوم اإلخــوان. فتجربة املؤسس تجربة فريدة ال عالقة لـهـا بــأي أيـديـولـو­جـيـة وغـيـر مرتبطة ال بـصـحـوة وال إخوان.. وحدة أكدت على توحيد الهوية واألرض مكرسة املفهوم السلفي كمرادف ملفهوم اإلسالم الحقيقي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia