اطلبوا املصالح ولو في الصني
في عالم اليوم، عالم الكائنات والتجمعات الكبيرة، تطورت مفاهيم ومصطلحات كثيرة في علم العالقات الدولية، مفهوم الدولة التقليدي كحدود أرضية وعـدد سكان ودرجــة ثـراء أو قـوة اقتصاد، لم تعد له ذات األهمية، على العكس قد تعتبر هذه مصادر خطر تغري أعداء ها والطامعني في السيطرة على مقدراتها ولن يكون بمقدورها وحدها الدفاع عنها، ومفهوم املصالح لم يعد محصورا فيما تملكه الدولة داخل حدودها، وإنما ما يمكن أن تملكه أو تسيطر عليه خارجيا. ساد اليوم املفهوم الحيوي للدولة، أيـة دولــة، بتعدد عالقاتها ونوعية تحالفاتها وحجم استثماراتها، هــذه أصبحت تشكل الخط األول للدفاع عنها وعن مصالحها داخليا وخارجيا. توجهنا شرقا ال يعني بالقطع قفل الطريق نحو الغرب، بل يقويه ويـعـضـده ويحيطه بسياج تنافسي يــدر عــوائــد أكثر مــاديــة ومـعـنـويـة، تنويع وتـعـديـد مــصــادر ومـكـامـن املصالح املــحــتــمــلــة، بـجـعـلـهـا أكــثــر شـــمـــوال، فــــرض مــنــهــج التنافسية املـــعـــروف بـــني الــشــركــات الــتــجــاريــة، وألـــغـــى هـيـكـلـة املعادلة الصفرية، ال أحد يستحوذ على كل شيء وال أحد يخرج صفر اليدين، وانعكس ذلـك على مفهوم مناطق النفوذ، ولعل هذا ما نالحظه في سياستي روسيا وأمريكا حاليا، بعد إدراكهما أن صراعهما أفضى إلى تمدد العمالق الصيني في مربعات الكرة األرضية. لم يعد أحد يتحدث عن سياسة القطب الواحد أو حـتـى الـقـطـبـني، أصـبـحـنـا نـعـايـش عــاملــا مـتـعـدد األقطاب، منظومة نـظـام اقـتـصـادي عـاملـي واحــد بــدأت تهتز، والدوالر الذي ساد كعملة دولية تراجعت أهميته كثيرا، وبدأت بعض الدول فرض عملتها الوطنية في اتفاقات ثنائية، فكرة العوملة ذاتها بدأت تتراجع، فمنظرها وفارضها األول، أمريكا، بدأت بالتخلي عنها. هذه التغيرات الدولية الكبيرة تحتاج تغيرات محلية كثيرة فـي كـل دولــة حماية ملصالحها باملفهوم الـجـديـد للمصالح، وهـذا يتطلب االستعداد لخوض صراعات عديدة وقد يطول بــعــضــهــا، ولـــيـــس بـــالـــضـــرورة أن تـــكـــون عــســكــريــة، ويتطلب تضحيات هنا ملكاسب هناك. ولعله أفضل من تشبيه عاملنا بالبحر الهائج املضطرب، وهو كذلك بال شك، أن نشبهه بلعبة «املونوبولي» أو االحتكار، الكل يتصارع والكل يتعاون، ومن خالل الصراع والتعاون تتحدد املصالح وطرق الدفاع عنها، وتتحقق املكاسب بحسن إدارة الـصـراع والـتـعـاون. للتعاطي مــع هــذه املـتـغـيـرات الـعـاملـيـة يلزمنا تـحـرك دبـلـومـاسـي كبير يسابق تحركنا السياسي املنتظر، ال يكفي هنا جهود وزارتي الـخـارجـيـة والــتــجــارة واالســتــثــمــار، أو الــســفــارات واملمثليات الــتــجــاريــة فــيــهــا، هـــذه أدوات مـهـمـة لـكـنـهـا تـقـلـيـديـة، العالم الـيـوم أصبح يــدار بـالـوفـود، وفــود متخصصة تجوب العالم بحثا في سبل تحفيز التعاون وطرق تخفيض حدة الصراع، وتسعى خلف مكامن املصالح الخارجية، فإن لم تجد خلقتها ونسجتها لتقوية مصادر قوة دولتها.