Okaz

اليمنيون بني وهم الطائرات والقطارات

- مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@gmail.com

من اليقني أن آخر أماني اليمنيني اليوم هي كذبة إنتاج طائرة بدون طيار أو خديعة إنشاء محطة قطارات، فهذا ترف ال يعبر عن حقيقة األوضاع اإلنسانية الكارثية التي يعانون منها، ولكن األمر يضيف مؤشرا جديدا على الخفة التي يتعامل بها املسؤولون مع القضايا الوطنية وكيفية تحويل األنظار عن القضايا الكبرى واستبدالها بما ال يفيد الناس وال يعنيهم وهم الذين يعيشون أوضاعا أمنية واقتصادية ومعيشية غاية في السوء. التقارير شبه اليومية التي توردها وكاالت األنباء عن تزايد معدالت الفقر واملجاعة لم تعد تثير حزنا وغضبا عند السلطات القائمة، بل كأن حالة من التبلد أصابتها أو ربما حالة من الالمباالة، وصار التنافس بني السلطات منحصرا في املزيد من الجباية غير الشرعية التي ال يعلم أحد مصيرها النهائي في ظل غياب األجهزة الرقابية، وكنت قد سمعت قصصا من رجــال أعمال يواصلون جهودهم لتوفير املواد الغذائية واألدوية إلى داخل األسواق رغم املعاناة واملتاعب واالبتزاز، ولكنهم يشكون من عدم إمكانية استمرار هذا الحال ألن الكلفة غير الشرعية املضافة إلى األسعار الحقيقية ال تسمح لهم بالبيع، ما سيعرضهم إلى خسائر فادحة، وسيؤدي هذا إلى مضاعفة متاعب املواطنني. القضايا الحقيقية التي يجب السعي لحلها مثل توفير الـغـذاء والـــدواء وتأمني املـطـارات واملـوانـئ كلها مسؤولية أخالقية ووطنية على السلطات القائمة، ومن الـواجـب الـحـرص على تحييدها مـن الـصـراع ألن الثمن الباهظ يتجرعه منفردا املواطن البسيط وال يتحمله املسؤولون؛ ألنهم قادرون علـى تأمني تنقالتهم بسهولة ويسر دون الحاجة إلى املرور بمتاعب االنتقال من مدن بعيدة وعبر طرقات وعرة ونقاط تفتيش غير قانونية متناثرة على امتدادها، وهو أمر البد سيثير غضب الناس وحنقهم وعدم اقتناعهم بكل ممثلي هذه السلطات. إن املمارسات غير األخالقية والتي ال تقيم وزنا ملشاعر الناس تعزز من ابتعادهم عن اللجوء إلى مؤسسات رسمية مهما كان ضعفها، وهذا بطبيعة الحال سيخلق كيانات موازية أكثر قـدرة على التعامل مع احتياجات الناس اليومية ورغبتهم االرتـبـاط بـأي شكل من أشكال الدولة أيـا كانت الصيغة املعروضة، ويمكن النظر إلـى ما جرى في سورية حتى وقت قريب حني تخلت الدولة عن التزاماتها تجاه مـواطـنـيـ­هـا ولــم تـعـد تلبي متطلباتهم ثــم تـركـتـهـم وحـيـديـن فــي مــواجــهـ­ـات غير متوازنة مع الجماعات املتطرفة التي أحكمت قبضتها وبدأت في فرض قوانينها العبثية، ولكن الناس يصبحون غير قادرين على املقاومة ألنهم مقتنعون بعجز الدولة وغيابها وعدم اكتراثها بما يحصل لهم. الــصــراع الـحـالـي بــني الـسـلـطـا­ت الـقـائـمـ­ة يسبب الكثير مــن املـتـاعـب لـلـنـاس الذين تفاقمت أزماتهم بعد نقل البنك املركزي دون االستعدادي­ن الفني واملالي الكافيني للتعامل مع األوضــاع الجديدة ورفــع عن كاهل سلطة االنـقـالب في صنعاء كامل املسؤولية ولكنه في نفس الوقت لم يؤد الغرض املفترض، فتوقف تسليم املرتبات منذ 6 أشهر وهــو أمــر يساهم فـي تقويض ارتـبـاط الـنـاس املعنوي بالدولة التي تعجز عن توفير املرتبات أيا كانت املبررات، كما أن إطالق بالونات التفاؤل بقرب الحصول على مبالغ ضخمة لدعم البنك املركزي تصبح إضافة إلى رصيد الخفة السياسية التي تتم بها مواجهة األزمات. لقد أدمن اليمنيون االستماع إلى متوالية من املشاريع بدأت بالحديث عن استخدام الطاقة النووية مــرورا بخطوط السكك الحديدية ولـن تكون الطائرة بــدون طيار والـصـواري­ـخ بعيدة املــدى آخـرهـا ألن األمــر مرتبط بمنظومة سياسية وإعالمية أدمــنــت تـزيـيـف الــوعــي وكــتــابـ­ـة الــوثــائ­ــق بــالــدم، وتـــرى أنــهــا األنــجــع لـلـتـهـرب عن الواجبات األساسية ألي سلطة وإلهاء الناس في دوامــة السخرية من تصرفاتها وإعالناتها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia