«املشيخة» ال تفارق «دعاة الكاسيت» في مواقع التواصل!
ســاهــمــت «الـــصـــحـــوة» فـــي انــتــشــار لــقــب الشيخ حتى أضحى لقبًا ملــؤذن املسجد ومعلم القرآن واملتحدثني في العلوم الشرعية دون التمحص فـــي قــدرتــهــم املــنــهــجــيــة عــلــى الــبــحــث العلمي. ويــشــاع اســتــخــدام مــفــردة الــشــيــخ فــي حسابات الدعاة املشهورين بالوعظ في مواقع التواصل االجتماعي. وعادة ما تذيل جملة «الحساب الرسمي لفضيلة الـــشـــيـــخ» فــــي الـــتـــعـــريـــف فــــي صــفــحــاتــهــم على «فيسبوك، تويتر»، وبني زمن كان رجال الــديــن يـتـحـاشـون مــفــردة الشيخ، يطل الـدعـاة الـيـوم بأسماء ال تـقـبـل الــظــهــور مــجــردة من ألقاب فضيلة وشيخ. وانتقد عضو هيئة كبار الـعـلـمـاء الـشـيـخ الراحل مــــحــــمــــد بـــــــن عثيمني انتشار مـفـردة اإلمام، عـــلـــى أنـــهـــا «تساهل بعض الشيء»، وقال عنها (في الشرح املــــــمــــــتــــــع على زاد املستقنعاملـــجـــلـــد األول) «وقــد كـثـر فـي الـوقـت األخـيـر إطــاق اإلمــام عند الناس حتى أنه يكون امللقب بها من أدنـى أهل الـعـلـم، وهــذا أمــر لـو كــان ال يتعدى اللفظ لكان ِِّ هينًا، لكنه يتعدى إلـى املعنى، ألن اإلنـسـان إذا رأى هـــذا يــوصــف بـــاإلمـــام، تــكــون أقـــوالـــه عنده قدوة مع أنه ال يستحق». ورغـــم أن انـتـقـاد ابــن عثيمني عـلـى مــفــردة إمام تأتي من جانب تأصيلي للتفريق بني الفقهاء املـقـلـديـن واألئــمــة املـجـتـهـديـن، بـيـد أن انتقاده انــتــشــار األلـــقـــاب عــلــى األشـــخـــاص الـــذيـــن قـــد ال يـــكـــونـــون عـــلـــى مـــعـــرفـــة ودرايــــــــة، تــرجـمــتــهــا الــتــحــفــظــات التي يبديها كثير من املراقبني. من جهته، يؤكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان لـ«عكاظ» عدم جواز إطـــــــــاق لـــفـــظـــة «شـــــيـــــخ» إال عـلـى عــالــم أو الــرجــل املسن، معتبرًا الـشـهـادات العلمية في العلوم الشرعية ليست سببًا كافيًا إلطــاق لفظة الـــــــــشـــــــــيـــــــــخ عـــــلـــــى حاملها، «ولو كـــــــــــــــــــان مـــــعـــــه شهادات ال يصح إطـاق لفظ شيخ عليه والعالم يطلق عليه لفظ شيخ ولــو لـم يكن حـاصـا على شهادات». وعــن كيفية معرفة أن الشخص عالم فـي العلوم الدينية، أجاب الفوزان أن «الشخص يعرف بـــأنـــه عـــالـــم مــــن خـــــال شــهــرتــه بني الناس». وعاود الشيخ ابن عثيمني مناوء ته من تفشي لقب الشيخ على من ال يستحقون (فــي تسجيل صوتي إلحدى محاضراته)، وأكد أن األمر ال ينبغي بعد أن «تفشت حتى صار اللقب يطلق على الجاهل ومن ال يعرف شيئًا». وعــزا ابــن عثيمني مـنـاوءتـه لـأمـر إلــى «ألنــك إذا أطلقت على هـذا الشخص (شيخ) وهـو جاهل ال يعرف يغتر الناس به ويحسبون أن عنده علمًا فيرجعون لـه االستفتاء ويحصل ضــرر عظيم»، منتقدًا عــدم مــبــاالة كثير مــن الــنــاس فــي اإلفتاء وإن كـان ليس له علم، «ألنـه يـرى إذا قـال ال أدري أن في ذلك نقصا في حقه، النفوس مجبولة على مـحـبـة الـــظـــهـــور». ورأى الــشــيــخ مـحـمـد أن كلمة (شـــيـــخ) ال تـطـلـق إال عــلــى مـــن يـسـتـحـقـهـا لكبره أو لشرفه وسيادته فـي قومه أو لعلمه. ويرجع مـراقـبـون تفشي لقب الشيخ إلــى انـتـشـار أشرطة «الــكــاســيــت» الـحـمـاسـيـة إبــــان فــتــرة الثمانينات وازدهـــارهـــا فــي بــدايــة الـتـسـعـيـنـات الــتــي جعلت مــن مـتـصـدري الـخـطـابـات الحماسية والدعائية مشايخ، وساعدت القنوات الفضائية على بـــــروز أســـمـــاء كــثــيــرة دخــلــت ضمن «املشيخة الحركية» التي يناوئها الـسـلـفـيـون. فـأكـاديـمـي تخصص في الزراعة، وأطل عبر الكاسيات ومداخاته التلفزيونية بخطابه الحماسي، توجت مسيرته بلقب «الــــشــــيــــخ» وبــــــــات يـــســـتـــضـــاف في القنوات الفضائية على أنه رجل دين وشيخ عالم!. وذاعـــــت مـــفـــردة «الــشــيــخ» فـــي الــلــغــات األجنبية بشكلها الـعـربـي، ويــعــرف معجم «أكــســفــورد» أن الشيخ كلمة تعني زعيم الدولة كزعامات الخليج، وتـعـنـي أيــضــًا الــزعــامــة الـديـنـيـة فــي املجتمعات املــســلــمــة. ويــحــكــى قــديــمــًا أن لــقــب «الــفــقــيــه» أو «الـشـيـخ» كــان يطلق على معلمي الــقــرآن الكريم والـكـتـاتـيـب، فــي وقـــت كـــان مـنـصـب مـعـلـم القرية مــهــمــًا لــلــغــايــة فـــي شـــؤونـــهـــا الـــداخـــلـــيـــة، بــيــد أن االنفتاح الكبير الذي طال السعوديني بعد مرحلة الطفرة غير كثيرا من أسلوب حياتهم.