Okaz

من حترمي الطباعة للشغب في معرض الكتاب!

-

مشكلة اإلنسان الظالمي في كل العصور تتمثل فـــي إيــمــانـ­ـه الـــتـــا­م بــأنــه لــيــس كـــذلـــك، ومــــن شبه املستحيل أن يوجد ظالمي في هـذا العالم يظن أنه ال يمتلك الحقيقة املطلقة أو أن األقــدار لم تصطفه ملحاربة الشرور، حتى إن الظالمي في العالم اإلسالمي يعتقد جازمًا بأنه حصن األمــة وحـامـي بيضة الـديـن ومــا إلــى ذلــك مـن خزعبالت يـقـنـع بـهـا أتــبــاعـ­ـه فيحولهم إلـــى «ربـــوتـــ­ات» لــتــكــر­ار هرطقاته وترويجها، وعــادة ال يكبح هـذا الجهل إال يد السلطة املتنورة كما جاء في األثر عن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه «إن الله ليزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن». غـــرق الــعــالـ­ـم اإلســـالم­ـــي فــي الـجـهـل والـــظـــ­الم وتـخـلـف عــن ركب الــحــضــ­ارة فــي الــقــرون املـاضـيـة بسبب تسلط الـظـالمـي­ـني عليه واتــحــاد­هــم مــع سلطة أكـثـر ظـالمـيـة تمثلها الــدولــة العثمانية التي من أشهر فرماناتها منع اآللة الطابعة ألكثر من قرنني بعد اختراعها على يد األملاني «غوتنبرج» في القرن الخامس عشر، منعت اآللة الطابعة رسميًا وعوقب مهربها ومستخدمها بأغلظ الـعـقـوبـ­ات ألن مجموعة مــن الظالميني أفــتــوا بحرمتها خوفًا من تحريف القرآن والصحاح باستخدامها، حتى أن املستعمر األوروبي كان أكثر رحمة باملسلمني إذ أدخل نابليون بونابرت الطباعة إلى مصر خالل حملته عليها عام 1798 أي بعد 342 عاما من اختراع اآللة الطابعة، وما كادت الحملة الفرنسية تكمل سنتها األولى حتى صدرت أول صحيفة عربية من االسكندرية بأمر نابليون تحت مسمى «الـحـوادث اليومية»، تلتها بأشهر صحيفة التنبيه الــتــي أسـسـهـا الــجــنــ­رال مينو جــاك أحــد قواد الــحــمــ­لــة الــفــرنـ­ـســيــة وتـــولـــ­ى اإلشــــــ­ـراف عــلــيــه­ــا األديـــــ­ـب املصري إسـمـاعـيـ­ل بــن سـعـد الـخـشـاب وتـوقـفـت بـعـد خـــروج الفرنسيني من مصر لكن الطباعة انتشرت بعد ذلك فطبعت ماليني الكتب وازدهرت مصر علميا بفضل هذا املستعمر. الطريف أن العثمانيني الذين منعوا املسلمني من االستفادة من تقنيات العصر وألقوا بهم في غياهب الجهل والظلمات فيما األمـــم تـتـقـدم مــن حـولـهـم، سـمـحـوا لـرعـايـا دولـتـهـم مــن اليهود واملسيحيني باستخدام اآللة الطابعة لطباعة كتبهم املقدسة في معابدهم وأديرتهم شريطة أن ال يمكنوا املسلمني من االستفادة منها طــوال أكثر من قرنني، وهـم يحسبون أنهم بذلك يحمون اإلسالم من الضياع والفنت. تذكرت حكاية منع الطباعة وأنا أشاهد العرس السنوي الضخم للثقافة في السعودية متمثال في املعرض الدولي للكتاب املقام حاليًا في العاصمة الرياض، وأشاهد كذلك اعتراضات وشغب الجهلة بـاسـم االحـتـسـا­ب عـلـى فعالياته وهــي أحـــداث متكررة تحولت إلـى عــادة سنوية ال فكاك منها، ذلـك ألن ظالمي اليوم ليس سوى وريث شرعي لظالمي األمس حتى وإن لم يجمعهما النسب، فأفكار الظالميني ال تموت لكنها تختبئ في الجحور املظلمة عندما تتسيد املشهد األنـوار، كما أن املشاغب الظالمي الصغير سيجد من الظالميني الكبار تأييدا على فعلته ما لم يؤخذ على يـده وتـوقـع عليه أشـد العقوبات ويتم التشهير به لـيـكـون عـبـرة لــغــيــر­ه.. حينها فـقـط سـتـعـود الــعــقــ­ارب لالختباء في جحورها ويـواصـل املجتمع سيره في ركـب الحضارة دون معوقات.

هاني الظاهري @Hani_Dh c@news-sa.com

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia