فوضى األلقاب عطاء من ال ميلك ملن ال يستحق!
ﺧﻠﻄﺖ ﺍﻷﻟﻘﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ ﺑﻌﺾ »ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ« ﻟﺒﻌﺾ »ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ« ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻟﻸﻟﻘﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﺆﻫﻠﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ. ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻣﻨﺤﺖ ﺍﻟﻄﻔﺮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺤﻮﺓ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻷﻟﻘﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺻﺪ ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺠﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻬﺠﺮّﻳﺔ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪًﺍ ﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪ ﻇﻬﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻘﺎﺏ ﺇﻻ
وفي النصف األخير من العصر العباسي الثاني، بـدأت تظهر ألقاب كانت محدودة للغاية ومقتصرة على أشخاص محددين جدًا، إذ ظهر لقب «حجة اإلسام» واختص بأبي حامد الغزالي ،)ـه505( و«إمام الحرمني» الذي اختص اإلمام الجويني، و«شيخ اإلســــام» ابـــن تـيـمـيـة. وأيــضــًا «بــرهــان املــلــة والـــديـــن، وتـــاج اإلســــام، وشــمــس الدين، والجهبذ، ومفتي الديار، ورشيد الدين، وعز الدين، واإلمام، وسيف الدين». وتنامت األلقاب في العصر العثماني، ومنها «اإلمام األعظم»، والذي أطلق على أبي حنيفة النعمان وإليه تنسب األعظمية اليوم في العراق. وجــددت وزارة الثقافة واإلعــام تحذيرها من إطــاق لقب «الشيخ» على من ال يستحقه، مـشـددة على عـدم إطــاق لقب «شيخ» إال على مشايخ القبائل املعتمدين من الجهات املختصة، أو مشايخ الدين سواء في أخبار أو تقارير أو إعانات وسائل اإلعام. يذكر أن وزارتــي الداخلية والثقافة واإلعــام تحذران منذ أعوام مــن عمليات اسـتـغـال لـقـب «الــشــيــخ» مــن جـانـب أشــخــاص غير مـوثـوقـني، بعد رصــد حــاالت نصب واحـتـيـال باستخدام هذه األلـــقـــاب، فـيـمـا يــطــالــب مــراقــبــون بــوضــع ضـــوابـــط تختص باملسميات واأللقاب، كون ما يصدر اآلن من توجيهات هي تعليمات فقط، وليست قوانني. مـن جهته، أوضــح مـديـر فــرع وزارة الــشــؤون اإلسامية والـدعـوة واإلرشـــاد في منطقة عسير الدكتور عبدالله بـن محمد الحميد أن لقب الشيخ ابـتـذل، مضيفًا أنه «لقب عظيم اليستحقه إال أصـحـاب املـواقـع الرفيعة من العلماء الشرعيني، ومشايخ القبائل».
لقب الشيخ مستباح
ًً وقــال الحميد لـ«عكاظ» إنـه أصبح كـأ ُُ مستباحًا لـكــل مــن هـــَّب ودّب لــدرجــة «تــثــيــر الغثيان واالشـــمـــئـــزاز إذ بــتــنــا نــســمــع عـــن شيخ الحراج وشيخ الصاغة»، مضيفًا «من املــعــلــوم أن لــقــب «شــيــخ» بمعناه املعاصر الــذي يــدل على الرفعة فـي املـقـام لـم يكن معروفًا عند السلف الـصـالـح وإنـمـا كانت داللــتــه على الــكــبــر فــي السن كــمــا قــــال الــشــاعــر العربي: زعـــمـــتـــنـــي شـــيـــخـــًا ولست بــشــيــخ. إنـــمـــا الـــشـــيـــخ من يدب دبيبا». ويـــؤكـــد الــحــمــيــد أنـــه كان الــصــحــابــة والــتــابــعــون - رضي الله عنهم - ينادي بعضهم بعضًا بأسمائهم املجردة على رغم سابقتهم في اإلسام. وشرف صحبتهم للنبي عليه الصاة والسام - وزاد «ألجــل ذلـك فـا قيمة لذلك اللقب فـي مـيـزان الـشـرع إذا قصد بـه التعالي على الناس. ملا فيه من دالالت الكبر والتعاظم والكذب».
ََ ويرى الحميد أنه مـادام في األمر سعة وأنه البد أن ينزل الناس منازلهم كما حث على ذلك ديننا اإلسامي فيجب أن يقتصر إطاق لقب «شيخ» على من يستحقه من العلماء وخطباء املساجد وشيوخ القبائل فقط، حتى يتم ضبط هذا املوضوع إثر اختاط الحابل بالنابل كما يقال في املثل.
الطفرة األولى
مــن جـهـتـه، يــعــزو الخبير االقــتــصــادي صالح بــن بكر الـطـيـار مـوضـة األلــقــاب إلــى الطفرة املــالــيــة األولـــــى فـــي الــســبــعــيــنــات عندما قلبت مـعـادلـة الـطـبـقـات االجتماعية فرفعت في غمضة عني «مجاهيل» سكنوا قـصـورًا وركــبــوا الفاره مــــن الـــــســـــيـــــارات، وجمعوا ًً أمـــــــــــــــــــــــواال ال تحصى بأسهل وأيسر الطرق. ّّ وعــــــــدفـــــي حديثه إلــــــــــى «عــــــكــــــاظ» الـطــفـرة املالية والــــــصــــــحــــــوة الحــــــــقــــــــًا من أســـــــــــــــــبـــــــــــــــــاب انـــــــــتـــــــــشـــــــــار األلقاب خصوصا لقب «الشيخ». ويؤمل أن تفرض عقوبات على كل من يصنف نفسه أو يضع أمام اسمه أو في بطاقات عمله لقبًا ال يستحقه بحكم تخصصه. أو وظيفته الشرعية أو القبلية.
شخصية مهزوزة
فيما طالب شيخ قبيلة بني عبدالله فـي منطقة الباحة فيصل بـن عبدالعزيز بن عـبـدالـهـادي فــي حديثه إلــى «عــكــاظ» ضبط هــذه العملية ومـراقـبـتـهـا. كونها كما يرى هبة من ال يملك ملن ال يستحق. وتطلع إلى رقابة صارمة في هذا املوضوع كونه دخل على املشيخة من ليس منها وال هو من أهلها ما يسبب ربكة عند املسؤولني وفي مجالس املشايخ. وعد الحريص على ألقاب ال يستحقها ضعيف نفس ومهزوز شخصية.
مطلب التنظيم
يؤكد االستشاري النفسي الدكتور علي الزهراني لـ «عكاظ» أنه يقف معاضدًا مثل هذه القرارات التنظيمية التي يهدف من ورائها املشرع الصالح العام، موضحًا أنه كان له رأي قبل سنوات عدة حول لقب ومصطلح «شيخ» ولفت إلى أنه الحظ من خال عمله في لجنة املناصحة ألكثر من (٢١) عامًا أن هناك شبابا يذهبون ملناطق الصراع ملــجــرد أنـــه أخـــذ فــتــوى مــن إمــــام مـسـجـد (الــحــي أو القرية). وأشـــار إلــى مطالباته السابقة بــأن يـكـون هناك تــصــنــيــف لــلــمــشــايــخ أســـــوة بـتـصـنـيـف األطباء فمنهم «طبيب مقيم. وأخـصـائـي واستشاري» وتطلع إلــى أن تـكـون لهم هيئة مثلما لأطباء هيئة تعنى بمنح األلقاب العلميه (عالم، شيخ، فقيه، طالب علم، إمـام جامع، إمـام مسجد) وزاد «على أن يحدد لكل فئة حدود فتواه حد أن يطلب من هذا الشيخ أن يحيل مــن يـطـلـب الــفــتــوى «ألمورعظام» إلـــــى الـــجـــهـــة أو الــهــيــئــة العليا املـعـنـيـة بــذلــك أال وهـــي «هيئة كبار العلماء» وتعزز إعاميًا وإداريــــــــــــــًا لــــكــــي تـــصـــبـــح مع مــــرور الـــزمـــن أمــــرًا طبيعيًا وظــــــاهــــــرة عــــامــــة كـــمـــا هو الحال في حاالت «الطاق» إذ يحيل كل شيخ السائل أو املستفتي إلـــى «املفتي العام» كونه مرجعية.