Okaz

الرياض.. الشرق أتى... والغرب عاد!

- جميل الذيابي jameelth@gmail.com Twitter: @JameelAlTh­eyabi

هل جاء نجاح الجولة اآلسيوية التي يقوم بها امللك سلمان بن عبد العزيز، والــزيــا­رة الناجحة التي يقوم بها ولــي ولــي العهد األمـيـر محمد بـن سلمان لــلــوالي­ــات املــتــحـ­ـدة مــصــادفـ­ـة؟ كـيـف نـجـحـت الــحــســ­ابــات فــي تـنـفـيـذ املهمتن الـسـعـودي­ـتـن الـحـيـويـ­تـن فــي الــشــرق والــغــرب بــدقــة؟ وملــــاذا احـتـفـى الرئيس األمـريـكـ­ي دونــالــد تـرمـب باألمير محمد بـن سلمان إلــى درجــة تعديل جدول أعـمـالـه فـي البيت األبــيــض، وتخصيص سـاعـات مـن وقـتـه للتحدث مـع ولي ولي العهد في املكتب البيضاوي وكسر البروتوكول، ودعوته إلى غداء عمل في الجناح الشرقي - القاعة العائلية في البيت األبيض الستكمال املحادثات واالستماع لوجهات النظر السعودية ؟ من الواضح أن السياسة السعودية الخارجية، كما الداخلية، تبنى عادة على حسابات دقيقة، تحكمها املصالح العليا، ثم املشتركة، والثوابت، كدور اململكة في العاملن العربي واإلسالمي، ووفائها بالتزاماته­ا تجاه املجتمع الدولي، واالقــتــ­صــاد الـعـاملـي. ولــذلــك فــإن جـولـة املـلـك سـلـمـان اآلســيــو­يــة، الـتـي وصلت إلــى محطتها الصينية بـعـد الـيـابـان­ـيـة، جـــاءت بـعـد مـخـاض مــن التخطيط، والــدراسـ­ـات، واالجتماعا­ت املشتركة. وال بـد مـن الـقـول إنها سبقتها ومهدت لها، الزيارة املهمة التي قام بها ولي ولي العهد للصن واليابان في أغسطس ،2016 بعد بضعة أشـهـر فحسب مـن إعــالن «رؤيـــة السعودية ،»2030 التي أثــارت إعجاب العواصم العاملية، وفتحت شهيتها لالستثمار الـذي سيحقق للمملكة مبتغاها، املتمثل في تنويع مصادر دخلها، بدل االعتماد على النفط وحده. ولـم يغب عن بـال املخططن السعودين ضــرورة بـذل مسعى تجاه الواليات املتحدة فـي عهد إدارتـهـا الـجـديـدة، بعد سـنـوات مـن «تباعد وجـهـات النظر» -على حد تعبير مستشار لولي ولي العهد- مع إدارة باراك أوباما. وال ينبغي أن تفوت اإلشـــارة إلــى أن أوبـامـا نفسه أخــذ بـرؤيـة 2030 حـن عرضها عليه األمير محمد بن سلمان في زيارته الشهيرة للواليات املتحدة. لكن الرئيس السابق كان أسير التردد والتذبذب والتناقض حيال امللفات األخرى، خصوصا إيران وسورية واليمن. وبذات الروح الطموحة توجه األمير محمد بن سلمان إلى واشنطن (اإلثنن) املاضي. وكان املعلن أمريكيًا أن ترمب سيلتقي به إما (األربعاء) 15 مارس أو (الخميس) 16 مارس .2017 لكن البيت األبيض قرر تعديل جــدول ارتـبـاطـا­ت الرئيس بالكامل ليكرس معظم سـاعـات (الثالثاء) 14 مــارس- بعد أقـل من 24 ساعة من وصــول ولـي ولـي العهد إلـى واشنطنملحا­دثات وضعت النقاط على الحروف، وأزالـت ما ران على عالقات البلدين خالل السنوات الثماني املاضية. فـقـد أتـــاح اجـتـمـاع املـكـتـب الـبـيـضـا­وي، ولــقــاء غـــداء الـعـمـل، بـحـضـور أقطاب اإلدارة الجديدة من سياسين وعسكرين ومخططن إستراتيجين، استجالء الغموض، وقشع الضبابية. وأوضــح ترمب لـزائـره السعودي حقيقة موقفه من اإلسالم واملسلمن، وأنه ينوي العمل بشكل جاد وغير مسبوق مع العالم اإلسالمي، ما حدا بولي ولي العهد بتشجيع هذه الخطوة. وكانت املحادثات فـرصـة للرئيس تـرمـب لـلـوقـوف عـلـى تـجـربـة الـسـعـودي­ـة فــي بـنـاء جـــدار على حدودها مع العراق. وكشف األمير محمد أهمية إقامة سياج حـدودي مماثل مع اليمن طاملا هناك جماعة إرهابية حوثية ال تراعي حقوق الجار وسيادة البلدان. وأتاح ذلك الفرصة لترمب لشرح قراره املتعلق بمنع دخول مواطني ست دول إسالمية األراضي األمريكية. وأبدى ولي ولي العهد تقديره لدوافع الــقــرار الـسـيـادي، بحكم معلومات عـن مخططات تـحـاك لـلـزج بإرهابين في األراضي األمريكية لتنفيذ مخططات. ومن النقاط املهمة التي تطرق لها لقاء الثالثاء الحديث عن الـدور اإليراني في دعم الجماعات اإلرهابية، كالقاعدة وداعش وحزب الله، والدور اإلرهابي لجماعة اإلخوان املسلمن التي انبثقت «القاعدة» من فكرها باعتراف زعيمها الحالي أيمن الظواهري، الذي كشف انتماء سلفه أسامة بن الدن إلى الجماعة. كما تطرقت املحادثات، بمبادرة من األمير محمد بن سلمان، لخطورة االتفاق النووي مع إيران، وأن طهران تماطل وتسوف وتستخدمه لشراء الوقت قبل أن تنتج قنبلتها النووية. وحذر ولي ولي العهد بشجاعة من أن املنطقة لن تقبل مطلقا بالقنبلة النووية اإليرانية، وأن امتالك إيــران لها سيفتح الباب أمام سباق تسلح خطير في املنطقة، خصوصا أن نيات إيران في التوسع والهيمنة معلومة للعالم بـأسـره. وهــو شــأن تطابقت حياله وجـهـات النظر السعودية واألمــريـ­ـكــيــة، خـصـوصـا أن وزيـــر الــدفــاع األمــريــ­كــي جيمس مـاتـيـس يـعـد من الخبراء في شـؤون املنطقة، وملـس بنفسه محاوالت إيــران التدخل في شؤون دول املنطقة وسوء سلوكياتها. وتمثلت ذروة نجاحات اليوم السعودي في البيت األبيض في تناول الجانب االقتصادي، خصوصا أن ترمب فاز بالرئاسة في ضوء خبرته االقتصادية، ووعــوده لناخبيه بخلق وظائف، وتحسن املعيشة، فيما جـاء األمير محمد بــن سـلـمـان بـحـرصـه عـلـى تنفيذ سـلـس لــرؤيــة الـسـعـودي­ـة ،2030 الـتـي تمثل االستثمارا­ت األجنبية عنصرا مهما لبلورتها؛ في حن يدرك ترمب أن توسيع رقعة ونطاق االستثمارا­ت السعودية في أمريكا هو سبيله املضمون إليجاد فرص التوظيف التي وعد بها ناخبيه. واألكيد أن عبارتي «املصلحة العليا» و«املصالح املشتركة» هما أفضل تفسير لنجاح الدبلوماسي­ة الـسـعـودي­ـة فـي الــشــرق... وفــي الـغـرب أيـضـا. وإذا كانت املصلحة العليا لبالدنا تتمثل في تمسكها بثوابتها، وضمان رفاهية شعبها؛ فإن املصالح املشتركة للسعودية مع الدول التي تآخت معها في الشرق والغرب، ال تقتصر على التبادل واالستثمار وحدهما، بل تشمل املنافع األمنية، وضمان األمن والسلم العاملين، والقيام بااللتزاما­ت األخرى، كاستقرار السوق النفطية، وضمان أمن اإلمدادات النفطية، وخلو املنطقة من أسلحة الدمار الشامل. ولهذا ينطبق على نجاح الجولة اآلسيوية والزيارة األمريكية قول الشاعر الذي لم يسعه املكان من تحقق مرامه فأنشأ يقول: الشرق أتى... والغرب أتى. واألكيد أن الرياض تبقى من عواصم العالم املوثوقة والصعبة، عندما

تتحرك شرقا أو غربا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia