Okaz

UN¹√ ‪°øX½√ s¹√ ¨U{d «‬

-

شاهدت في مقطع فيديو امرأة شابة من الالجئني السوريني، يحيط بها أطفالها األربعة شعثا غبرا، يجلسون قرب خيمتهم الصغيرة حول نار أشعلتها يستدفئون بها فـي جـو قــارس الــبــرود­ة. كانت املــرأة تتحدث إلـى أحـد املراسلني بوجه باسم وصــوت يعلو نبرته االمـتـنـا­ن والغبطة، قـالـت تـهـدم بيتنا وقـتـل زوجــي ففررت بأطفالي إلى هنا. قال لها أراك تطعمني الصغار خبزا جافا وتسكنني معهم في هذه الخيمة الخالية من الدفء، قالت: «الحمد لله الخيمة أحسن من العراء، والخبز نعمة، نأكله ونحمد الله، املهم إننا بعيدون عن الخطر، وأوالدي عندي طيبني» أعدت الفيديو أكثر من مرة! أسرني مشهد هذه املرأة وهي تتحدث بكل هذا الرضا واالمتنان، رغم بؤس الوضع الذي تعيش فيه! لم أسمع منها كلمة تذمر واحدة، فقدت الزوج والبيت وباتت مشردة في العراء وحيدة تحمل في عنقها مسؤولية رعاية أربعة من الصغار، لكنها بمجرد ما وجدت مأوى آمنا يحميها وصغارها من الرعب الذي كان يحوم فوق رؤوسهم، حمدت ربها وشكرته وارتسمت عالمات االمتنان على وجهها! أي امرأة هذه؟! كان الحوار معها درسا بليغا لكثير من الناس، الذين مهما ملكوا من املزايا يظلون غير راضني ال تسمع منهم سوى التذمر والشكوى! حــديــث املــــرأة يــؤكــد أن الــســعــ­ادة أو لـنـقـل الـطـمـأنـ­يـنـة واالنـــشـ­ــراح، ال عــالقــة لها باملعطيات املـاديـة وإنما هي ذات عالقة بشيء آخــر، يسميه الناس الـرضـا. حني رضـيـت بـالـوضـع الـــذي آل إلـيـه حـالـهـا، ورأت فـيـه خـيـرا لـهـا وألطـفـالـ­هـا، شعرت بالراحة والطمأنينة تمﻸ قلبها. هنا يظهر السؤال املحير؟ ما الذي يجعل هذه املرأة ترضى فتسعد، ويجعل غيرها يحرم من الرضا فيشقى؟! لم يحل الرضا في بعض الصدور فتهدأ وتطيب، ويغيب عن بعضها اآلخر فتظل في غم وضيق ونكد؟ ابن حزم ينسب ذلك إلى الطمع، فيجعله سر شقاء اإلنسان، فمن طبيعة اإلنسان أنـه في حالة طمع دائــم، يطمع في الصحة وفـي املــال وفـي املنصب وفـي التفوق وفي الرئاسة وفي وفي.. مطامع اإلنسان ال تنتهي، كلما حصل على شيء طمع في غيره، وألن مطامع اإلنسان ال تنتهي، فإن غمه وضيقه أيضا ال ينتهيان! مـا يؤكد هــذا، أن الـراضـني ليسوا أنـاسـا تخلو حياتهم مـن املضايقات، أو أنهم يحصلون على كل ما يــودون، الـراضـون مثلهم مثل غيرهم، لديهم من األسباب التي تدفع إلى الضيق والغم ما يكفي ألن يجعلهم يشعرون بالتعاسة تغطيهم من الرأس ألخمص القدم، لكنهم مع ذلك ليسوا كذلك، ألنهم راضون بما هم فيه، وكفى بالرضا انشراحا وراحة. عيب الرضا أنه ليس شيئا يقتنى، هو نعمة من الله يرسلها إلى بعض من يحب من عباده، فيعيشون في طمأنينة وهدوء، ويحرم بعضهم منها فإذا هم يملكون كل شيء سوى الشعور بالسعادة. فاللهم ارزقنا الرضا واجعل قلوبنا أرضا خصبة تنبت جذوره فوقها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia