النص األدبي.. واملؤلف الذي ال ميوت!
مــوت املــؤلــف، نظرية أدبــيــة أطلقها الـنـاقـد واألكــاديــمــي الشهير روالن بارت في ثالثينات القرن املاضي، وبتبسيط شديد، تهدف هذه النظرية إلى عزل النص عن كاتبه، وعدم تأثير شخصية أو أفـكـار أو ظــروف الكاتب على الـنـص، بـل التعاطي معه على أنه منتج أدبي صرف بصرف النظر عن كل شيء خارج الورقة. ولكن عمليًا: هل نجحت هذه النظرية؟ هل هي ممكنة التطبيق؟ وإن نجحت في أوساط ثقافية متعددة، فهل ستنجح في أوساط شديدة التحسس العاطفي، وتميل كثيرًا لقراءة الهامش أكثر من اهتمامها بالنص، وينشط خيالها أكثر في الحديث عن املؤلف أكثر من حديثها عن نتاجه؟ من وجهة نظري الشخصية البسيطة، أن هذه النظرية –على األقل في أوساطنا– ستظل في دائرة الطوباوية، أو الخيال األدبي –على طريقة الخيال العلمي– املستحيلة التطبيق. ولذلك تجد أن الكثير من القصائد واملواقف واألقوال، والحكم، تكتسب األهمية من قائلها، حتى إن أحدنا إذا قـــرأ قــصــيــدة مـــا، ثـــم قـــرأ اســـم كــاتــبــهــا في النهاية، أعـاد قراءتها مرة ثانية مستحضرًا كل ما تختزله الذاكرة من رفض مسبق للكاتب أو استالب له. وفــي الكثير مــن األحــيــان تطغى أهمية الكاتب عـلـى الــنــص، وهـــذا مــا فـطـن إلـيـه بـعـض الشعراء املغمورين، أو الباحثن عن شهرة أكثر، األمر الذي جعلهم يعمدون لتسويق بعض قصائدهم عن طريق أصدقائهم بنسبتها للشاعر الــفــالنــي الــكــبــيــر –وأعــتــقــد أن ســعــد بن جدالن يرحمه الله– أكثر من استخدم اسمه في هذا املجال – إلى أن تبلغ القصيدة مداها وتنتشر بن الناس، مستفيدة من اسم الشاعر، ثم يخرج شاعرها من الظل، ليلوح للناس تحت شمسها املشرقة قائال: القصيدة لي وال صحة لنسبتها البن جدالن هداكم الله! مـنـذ فـتـرة كـنـت أشــاهــد عـلـى الـيـوتـيـوب لـقـاء قـديـمـًا فــي برنامج رياضي، كان من ضمن الضيوف الالعب الدولي السابق يوسف الثنيان، الذي استهل اإلجابة على أحد األسئلة قائال (شوف يا بو مروان...) وعندها ضج كل من باألستوديو بالضحك ولم يستطع أحـــد مـنـهـم –بــمــا فـيـهـم الـثـنـيـان نـفـسـه– أن يــقــول جـمـلـة واحدة، والسبب أن يوسف الثنيان أخطأ بـاالسـم وكــان مـن املفترض أن يقول أبو حمدان، وليس أبو مروان، واملوقف هنا كما هو واضح، عـادي جـدًا، وال يستدرج حتى ابتسامة عابرة.. لكنه يوسف بكل ما تختزله الذاكرة الجمعية عنه من تناقضات محببة مثل سرعة البديهة واملشاكسة مـع عــدم حفظ األســمــاء حتى أنــه في املـنـتـخـب كـــان يـنـسـى أســمــاء زمـــالئـــه، ويكتفي بمناداتهم جميعًا باسم أبو عبداملجيد! املـؤلـف هنا كــان يوسف الثنيان، وهــو أمر ال يمكن تغييبه، ولو غيب املؤلف لغابت طرافة املوقف تلقائيًا. ملخص ما أريد قوله هنا هو أن نظرية مــــوت املــــؤلــــف، بــكــل أبـــعـــادهـــا الفكرية واألدبـــــيـــــة، تــعــتــبــر قـــفـــزة فــــي الهواء باتجاه وعي لم يتشكل بعد، وال أظنه سيتشكل فــي أي زمـــن، ألن تعقيدات النفس البشرية، ومدارات الروح وكل ما يتعلق بها تقف دون ذلك.