الشيطان األخرس في منظومة الفساد

هناك عنصر مهم وفاعل في مكافحة الفساد لو قام بدوره على الوجه األمثل لحصر الـفـاسـدون، ولسقطت األقنعة التي يرتدونها ويختفون خلفها فنراهم بشرا أسوياء صـالـحـني، وفــي بعض األحــيــان متدينني ملتزمني، ولو لم يقم ذلك العنصر بـدوره، فسيظل الفساد ويبقى عبث الـفـاسـديـن، ونـهـب األمــــوال والــثــراء الــحــرام، عـلـى حساب مصالح الناس ومقدرات الدولة، وأرواح األبرياء في بعض األحــيــان، ذلــك العنصر هـو الـطـرف املستفيد أو صاحب املصلحة، على تنوع درجات مصلحته، وما يحصل عليه نتيجة ما يقدمه من تنازالت تأخذ عدة أشكال منها الدفع «الكاش» والهدايا والعطايا، والتسهيالت غير املحدودة التي تعطى للفاسد مما يملكه املستفيد، ويشارك به عن قصد وسبق إصــرار في بقاء ونمو الفساد وكثرة أعداد الـفـاسـديـن. وحـقـيـقـة، فـإنـه لــو لــم يـكـن هـنـاك «مـفـسـد» ملا وجـــد «فــســاد» وال «فــاســد» ولـــو كـنـت مـشـرعـا لضاعفت عقوبة «املفسد» وأوقفت كل مصالحه القائمة على نتائج إفـــســـاده. دعــانــي إلـــى الــتــطــرق لــهــذا املــوضــوع مــا يثيره البعض في املجالس، أو عند توقف سير معامالتهم، أو في حالة تعطل إجراء ات مصالحهم تحت أي سبب نظامي كنقص في األوراق او املستندات املطلوبة في أي إجراء، إذ يشيرون وبكل سهولة ودون تردد إلى طلب «املوظف» أو «املسؤول» بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مقابل مادي لتسهيل مصالحهم، ويجزمون أحيانا بأنه ال مناص من «الدفع» أو كما يقول الراشون «ادهن السير يسير»، وإذا سألتهم ملاذا يسكتون وال يبلغون عن أولئك «الفاسدين» قـــالـــوا «ال نــريــد تـعـطـيـل مــصــالــحــنــا» أو أنــهــم يخشون إن فعلوا ذلــك وقـفـت أعمالهم املستقبلية بــدافــع انتقام الفاسدين ومن يدور في فلكهم. وبالطبع فإن سكوتهم في حد ذاته «فساد» واضح وهو سكوت عن الحق، واستمرار ذلـك الصمت منهم يعني كما قلت بقاء الفساد وتنامي الفاسدين، وهـو ما ال أشـك بـأن الهيئة الوطنية ملكافحة الفساد قد أولـت هذا األمـر اهتمامها وحفظت لألسوياء حقوقهم ومصالحهم.