Okaz

اخلطاب اإلسالمي الواعي في بروكسل

-

خبر مهم ربما يمر على الكثيرين مــرور الــكــرام، وربـمـا ال يالحظه البعض فـي زحـمـة األخــبــا­ر الـتـي تنهمر بــغــزارة على مــدار الساعة. في اعتقادي أن هـذا الخبر يمثل تحوال نوعيًا في صيغة الخطاب اإلسالمي املوجه لآلخرين، وبالتالي استطاع أن يترك أثرًا إيجابيا ويحقق نتيجة ملموسة على صعيد مؤسساتي دولي مهم. الخبر يفيد بأن توصيات مؤتمر «اإلسالم في أوروبا واإلسالموف­وبيا» الذي عقد في برملان االتحاد األوروبي في بروكسل، أقرت كلمة رابطة العالم اإلسـالمـي التي ألقاها األمــن الـعـام للرابطة الدكتور محمد العيسى، كوثيقة مهمة للعمل بها، وعلق عدد من حضور املؤتمر بأن الكلمة تتحدث بتحليل منطقي عن الواقع وتضع الحلول إلشكاالت معقدة سببت عددا من األخطاء في التشخيص واملعالجة، وأكدوا أن الكلمة تحمل خطابا وسطيا متسامحا يمثل حقيقة اإلســالم الذي تعايش مع الجميع عبر أكثر من 1400 سنة حقق فيها سمعة حسنة قادته لالنتشار الطبيعي، وأن هذا يشكل مسلمة ألنه ال يمكن أن نقبل بـأن اإلســالم انتشر بالقوة واقتنع الناس به ألن القناعات ال يمكن فرضها بأي حال. كلمة الدكتور العيسى يمكن الرجوع لها في أي مصدر إخباري، ولكن للتنويه واإلشـــار­ة فــإن مما قاله فـي كلمته: «إن التسليم اإليجابي بالفروق الطبيعية بن الحضارات يفضي الى اإليمان بسنة الخالق فـي االخــتــا­لف والـتـنـوع والـتـعـدد­يـة، وقــد أمـرنـا الخالق أن نتعارف لـنـتـقـار­ب، ونــتــقــ­ارب لـنـتـعـاو­ن، ونــتــعــ­اون لنكسر حــواجــز البرمجة السلبية التي صاغت بعض العقول التي تستطلع من زاويـة واحدة بعيدا عن اإلنصاف والوعي، وأن خطأ التشخيص وخطأ املعالجة يقودان لفصل تأريخي جديد من الصدام الحضاري». ويضيف بأنه «مــن الخطأ الــفــادح أن يكون االخــتــا­لف الديني والثقافي والفكري وأخــطــاء التشخيص سـبـبـا لـلـكـراهـ­يـة واألحـــقـ­ــاد الــتــي تـعـد املغذي الرئيسي للتطرف واإلرهـــا­ب، وأن اإلسالموفو­بيا أنموذج للتطرف العنيف يعطي األبرياء الذين يحملون االسـم الـذي سمى به املجرم نفسه نفس الحكم الصادر عليه، وأن اإلرهاب لم يكسب من األتباع إال عصابة مختلة في وعيها وفهمها من املحسوبن اسما على اإلسالم، وفئة أخرى قابلتها بالتطرف املضاد». مـن الطبيعي أن يتوقف حضور املؤتمر عند خطاب واع وناضج وواقعي كهذا الخطاب ويقدرونه ويقرون مضامينه كوثيقة للعمل بها، ألنــه خطاب عقالني وإنـسـانـي يحترم الحقائق ويحترم عقل املتلقي وإدراكه، ويقف بشفافية عند اإلشكاالت واألخطاء القائمة مع االعتراف بمسؤولية كل طرف تجاهها ودوره في إيجاد الحلول لها. لفترة طويلة كان الخطاب اإلسالمي الذي تقدمه بعض الجهات في املؤتمرات وامللتقيات واملحافل الدولية خطابا قاصرًا ألنه يتحدث بمثالية مغالية نيابة عن كل من ينتسب لإلسالم بال استثناء، دون اعتراف بأخطاء بعضهم، وتحميل اآلخرين كل املسؤولية بصورة مطلقة، وذلـك ما أدى إلى تفاقم اإلشكاالت واتساع الفجوة وتعقيد كثير من القضايا املتعلقة بالتعايش والوئام مع مجتمعات العالم، لنصل إلى ما وصلنا إليه من وضع مأساوي سمته الكراهية وتعميم األخطاء وأخذ البريء بجريرة املسيء. لقد أصـبـح فـي غـايـة األهـمـيـة اخـتـيـار مـن يتحدث عـن اإلســـالم لدى املجتمعات والدول األخرى في هذه الظروف الحرجة لتقديم خطاب كهذا الخطاب الذي قدمه الدكتور العيسى، والقادرون على ذلك كثر إذا بحثنا عنهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia