تدسيم الشوارب
كنا في السابق ننصدم إذا ذهبنا إلى دولة مــا وسـمـعـنـا عــبــارات غـريـبـة فـــور وصولك لــلــمــطــار مــثــل «جــبــت إيــــه لــلــعــيــال» أو «ما تخلي يا باشا» أو «انت الزم جيب هدية» أو غيرها من العبارات التي توحي بأنك البد أن تشمر عـن ساعديك وتـخـرج بعضًا مما في جيبك، ونحن في داخلنا نشجب ونندد ونستنكر هــذا النصب واالحـتـيـال واالسـتـغـالل. الـسـؤال هنا ما الفرق بيننا وبينهم؟! كلنا في نفس البوتقة، الفرق الـوحـيـد هــو أنـهـم يــرضــون بالقليل مــن الـحـلـوى أما هنا فال يرضيهم إال أن يتصبب الدسم من شواربهم حتى يصل الركب، فال تفاجأ إذا شاهدت موظفًا يعمل مساحًا في إحدى البلديات أو موظفًا بسيطًا في أحد فــــروع مـكـتـب الــعــمــل يـتـقـاضـى 7 آالف أو أقـــل راتبًا شـهـريـًا ويمتلك ثــالث مـــزارع وأربـــع عـمـائـر لإليجار ويركن بجانب فيالته سيارة ال يقل ثمنها عن 200 ألــف ريـــال. خـطـورة تلك الفئة تكمن فـي ممارستهم لسلطتهم واستغاللهم ملواقعهم في تعطيل معامالت املواطنني؛ بغية الحصول على بعض مما يدسمون به شواربهم من تلك املعامالت أيًا كان نوعها، وإن رفض صـاحـب املعاملة فليس أمـامـه ســوى ثـالثـة خيارات، إمــا أن يـرضـخ و«يــدســم الـــشـــوارب»، وإمـــا أن يتمسك بمبادئه ويـوقـف معاملته ومصلحته إلى أن يـحـدث الـلـه بـعـد ذلــك أمـــرا، أو أن يحول مسار معاملته من املوظف «املطالب بتدسيم شواربه» إلى زميل آخر له، والخيار األخير يبدو مستحيال في بعض اإلدارات املعتقة إذ يــقــوم مــوظــفــوهــا بـتـضـامـن مــع زميلهم في موقف كهذا معتقدين أنه حرم من التدسيم الذي هـو حـق مـشـروع لــه. تدسيم الــشــوارب لـم يعد يشكل حـالـة فــرديــة، بـل أصـبـح ظـاهـرة تحتاج إلــى ميزانية أخــرى لــدى املـواطـن إلنـهـاء معامالته، إذ بــات تعقيد املــعــامــالت فــي بـعـض الـجـهـات الـحـكـومـيـة حـتـى ولو اكتملت اإلجـــراءات واملستندات جــزءا مهما فـي هذه السلسلة حــني يتفنن املـوظـف فـي البحث عـن الطرق التي تؤدي إلى يأس املواطن «بيروقراطية» للوصول إلى ذريعة «لتدسيم شواربه»! لذلك تفعيل الحكومة اإللكترونية بــات أمــرًا البــد منه لتحجيم دور هؤالء والـــحـــد مـــن ظـــاهـــرة «تــدســيــم الــــشــــوارب» أو الرشوة بمعناها الصحيح وخير مثال على ذلـك هو «نظام أبشر» الذي يعد نقلة نوعية في تحول املعامالت من شكلها التقليدي إلى معامالت إلكترونية.