Okaz

استمرار احلرب تكريس للكراهية

- مصطفى النعامن كاتب ميني وسفري سابق mustapha.noman@gmail.com

تترك كل حرب أهلية شروخا تحتاج فترات طويلة إلعـادة التأهيل الـنـفـسـي واالجــتــ­مــاعــي، نـاهـيـك عــن أهـمـيـة الـعـمـل فــي قـضـايـا مثل إعـــــادة الـتـعـمـي­ـر والـــدخــ­ـول فــي مـصـالـحـة سـيـاسـيـة تـتـمـحـور حول توزيع السلطة موقتا حتى يصل الناس إلـى توافق حـول الشكل النهائي للدولة ومؤسساتها وربما إجــراء انتخابات عامة ومحلية، وفي الحالة اليمنية صارت األوضاع أكثر تعقيدا مما يتصوره الكثيرون من غير العارفني بتفاصيل التركيبة الداخلية وتعقيداتها االجتماعية والقبلية. من غير املـعـروف على وجـه اليقني الوجهة النهائية لـأطـراف اليمنية ومـا تريد تحقيقه، وليس كافيا وال مجديا الحديث عن استعادة الحكومة للشرعية التي مـهـدت بتصرفاتها للتشكيك فيها واالنــتــ­قــاص مــن قيمتها املـعـنـوي­ـة، أو ترديد شعارات جماعة الحوثيني أنهم يخوضون معركة برسالة إلهية يعلم الجميع أنهم افتعلوها بدون مبرر وال هدف وطني، وهكذا تضيع أبسط حقوق املواطنة. ومن املثير لـأحـزان أن كال الطرفني غير راغبني وال عازمني على تقديم أدنــى حد من التنازالت لتحريك العملية السياسية، متصورين أن الحل العسكري أو مقاومته هو الذي سيقرر املسار النهائي لهذه الحرب اللعينة، وبينما ترتفع األصوات اإلقليمية ضمن دول التحالف العربي معلنة الرغبة األكيدة بحل سلمي سريع ضمن األطر املتفق عليها وحتى تعديلها إذا كان ذلك سيخدم إطالق العملية السياسية بسرعة، ولكن الطرفني املحليني يبديان مرونة أقل وعنادا أكثر وعدم اكتراث للدمار النفسي واالجتماعي. في مقابلة أجراها أخيرا السيد إسماعيل ولـد الشيخ مبعوث األمـني العام لأمم املتحدة، عبر عن ضيقه من البطء الذي تشهده محاوالت تنشيط العملية السياسية، وقال إن املتضرر األكبر من ذلك هو املواطن املهدد باملجاعة، خصوصا مع تزايد العمليات العسكرية، وشــدد على ضـــرورة تجنب الــوصــول إلــى مستوى الكارثة اإلنسانية، وقــال إن املطلوب حاليا هـو إعــادة الحياة للجان التهدئة العسكرية كمدخل أساسي للتوصل إلى وقف إطالق للنار تحت إشراف جدي ثم االنتقال إلى مباحثات يمكن أن تعيد االستقرار إلى اليمن. في خضم هذه األوضـاع املأساوية، يتفرغ قادة الحرب املحليون ملحاوالت تعزيز مواقفهم وتثبيت أوضـاعـهـم على األرض غير عابئني بـالـتـأثـ­يـرات االجتماعية التي نشأت جراء هذه الحرب، وسيكون من الصعب جدا استعادة الحالة السابقة، خاصة في تعز وفي جنوب اليمن، ولهذا فإن اإلسراع بوقف الحرب سيتيح املجال لوضع حد للنزيف املستمر في النسيج االجتماعي، وقد حدثت في هاتني الرقعتني الجغرافيتن­ي تحوالت نفسية ستظهر معاملها البشعة حني تتوقف الحرب نهائيا، ولعل املطلوب في الحالتني مختلف في ظاهره، لكنهما تجتمعان في رغبة متزايدة عند املواطنني في الجنوب باالنفصال عن صنعاء السياسية كلية، أو التخفيف من قبضتها السياسية واالقتصادي­ة كما في حالة تعز، وهنا يجب التذكير بأن أغلب القيادات التي تدير الشأن اليومي في الجنوب هي نتاج ملا صار يعرف بالحراك الجنوبي واألغلبية منها لم تشارك في لقاءات موفينبيك الشهيرة بصنعاء ولم تعترف بمخرجاتها، ولكن الضعف الذي يظهر في اختالفها حول الهدف النهائي وصراعاتها الداخلية على القيادة هو الذي يتسبب في االرتباك الحاصل هناك. فـي تعز تختلف الحالة ألن املجتمع فيها قـد انقسم بـني طـرفـي الـحـرب وظهرت تكوينات خارجة عن سيطرة الجميع صــارت تعمل لحسابات ذاتية مـاديـة، كما أن العالقات اإلنسانية قد انقطعت بني فئات كثيرة وليس مهما في هذه اللحظة االنشغال بسرد يوميات الحرب وكيف بدأت ومن املتسبب، ألن ذلك لن يعيل يتيما ولن يعالج مريضا ولن يوقف الدمار والدماء، ورغم املحاوالت الكثيرة للتوصل إلى هدنة إنسانية تسمح للناس البدء في رحلة البحث عن قوتهم وإعادة بناء ما دمرته القذائف، إال أن كل ذلك ووجه بالفشل ألن الصراعات بلغت حدا من العنف غير مسبوق، ومع كل صباح جديد تزداد املعاناة واألحقاد ولن يكون بمقدور أحد السيطرة على استمرار دورة الدماء والثارات. كل يوم في أي حرب أهلية هو مدخل لنزيف مستمر وتكريس لثقافة الكراهية، وال يهتم قادتها بهذا املآل؛ ألن غايتهم النهائية هي السلطة والثروة ولو كان ذلك على حساب وطن بأكمله.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia