ضرورة مواجهة نقص القضاة في محاكمنا
يعتبر نقص عــدد الـقـضـاة واحـــدًا مـن أهــم التحديات التي تواجه منظومتنا العدلية؛ نظرًا ملا يترتب على ذلــك مــن تـأخـيـر مـلـحـوظ فــي تحقيق الــعــدالــة نتيجة لتباعد مواعيد الجلسات وكثرة تأجيلها وإطالة فترات التقاضي، وال غرابة في ذلك، إذ إن القاضي لدينا يخدم نحو ٠٣ ألفًا من السكان، في حني أن املعدل العاملي هو قاٍض لكل خمسة اآلف، ورغم أن املشكلة قديمة فإن جهود حلها التزال بطيئة؛ وحتى مع تعيني قضاة جدد من آن آلخر، تظل هناك حاجة ماسة لتعيني املزيد منهم. وحـتـى يمكن تخيل عمق هــذا الـتـحـدي القضائي وتـأثـيـره السلبي عـلـى ســرعــة سـيـر الـعـمـل، أشــيــر إلــى أن نـقـص الـقـضـاة ألــقــى بظالله حتى على أداء املحكمة العليا بسبب نقص قضاتها إذ أصبح تقديم الطعون أمامها فـي أحـكـام االستئناف يتطلب استصدار أوامــر من املـقـام السامي قبل إحالتها للنقض، تــجــدر اإلشــــــارة هــنــا إلـــى أن املشكلة تأخذ بعدين؛ األول (تنظيمي) واآلخر (لوجيستي).. وفي تقديري فإن وضع حلول ناجعة لقلة القضاة يتطلب تسريع الجهود بتطوير الجوانب اإلجرائية والتنظيمية للكيان القضائي. واألكـــيـــد هــو أن قــصــر تـعـيـني قـضـاتـنـا عــلــى خــريــجــي أقــســام الفقه والشريعة في كلياتنا الشرعية هو سبب النقص الواضح في أعداد القضاة، وفي تقديري فإنه ما لم يتم توسيع معايير التعيني لتشمل خريجينا في أقسام القانون؛ سـواء من جامعاتنا أو من الجامعات الخارجية، فستظل املشكلة باقية لفترة طويلة قادمة، أما لو كان هناك تحفظ على عدم تعمق الخريجني في املواد الشرعية، فيمكن حينئذ إلحاقهم بدورات مكثفة بعد تخرجهم لتعزيز ثقافتهم الشرعية. من جانب آخر، فقد يكون من املهم أن يبدأ أولئك الخريجون أعمالهم كــمــالزمــني قـضـائـيـني لــفــتــرة كــافــيــة؛ ال تــقــل عــن ٥ ســنــوات مــن أجل إكسابهم الخبرة الالزمة؛ ليس فقط في القواعد القضائية ولكن أيضًا لإلطالع على املستجدات التجارية والتعامالت اإلنسانية؛ كالعرف والعادات، مع ضرورة إعادة النظر في بعض شروط تعيني القضاة؛ خصوصًا الـشــرط الـخـامـس الــذي يسمح بتعيني قـضـاة ال تتجاوز أعمارهم اثنتني وعشرين سنة في بعض درجـات السلك القضائي!؛ وهي سن مبكرة على تولي مناصب القضاء. كما يمكن أن يساهم في التسريع بحل هـذه املعضلة، تعيني قضاة من الفئات التالية: ١. أعضاء هيئة التحقيق واالدعاء العام: خصوصا من أمضى منهم ٠١ سنوات فأكثر في وظيفته، مع إعطاء األولـويـة للحاصلني على دبلوم الدراسات القانونية من معهد اإلدارة العامة. ٢. خريجو جامعة نايف العربية للعلوم األمنية: الرتفاع حصيلتهم القانونية كــون الجامعة تـقـوم بتدريب وتأهيل طالبها فـي مجال العدالة الجنائية ومكافحة الجريمة. أما إذا تعذر تطبيق التصورات السابقة ألية اعتبارات، فيمكن حينها التفكير (خارج الصندوق) عبر تبني أحد املقترحني التاليني: أ)- عــقــد جــلــســات (مـــســـائـــيـــة)؛ عــلــى األقل فــي مـحـاكـم مـدنـنـا الـرئـيـسـيـة الــتــي تعاني مـــــن تـــأخـــيـــر كـــبـــيـــر فـــــي إنـــــهـــــاء القضايا والـــخـــصـــومـــات، عــلــى أن تــعــقــد الجلسات املقترحة، لبضعة أيام خالل األسبوع. ب)- دعم السلك القضائي بإستقطاب قضاة يتمتعون بخبرات طويلة، من بعض الدول العربية؛ ملساعدة قضاة املحكمة العليا في سرعة البت في القضايا املتراكمة. وتجدراإلشارة هنا إلى جزئية مهمة؛ كثيرًا ما عانى منها املتقاضون وهي محدودية خبرة العديد من القضاة (الشباب) حديثي التخرج، ممن تم تعيينهم في املحاكم الجزائية بعد انطباق الشروط الحالية عليهم ولكنهم (عمليا) يحتاجون للكثير مـن الـتـدريـب والتمرس العملي قبل أن توكل إليهم هذه الوظيفة الهامة. ختاما، أود أن أنـقـل ملعالي وزيــر الـعـدل الـدكـتـور ولـيـد الصمعاني مــالحــظــة مـهـمـة تـكـمـن فــي الـتـغـيـيـر املـسـتـمـر لـلـقـضـاة فــي القضية الواحدة ما يؤدي الى تأخر حسم القضية. راجــيــًا تـفـضـل مـعـالـي وزيـــر الــعــدل بــاتــخــاذ مــا يــلــزم لــزيــادة أعداد القضاة، ورفع كفاءة الشباب منهم.