Okaz

ثقافة االعتدال

- ﻭﻣﻀﺔ ﺷﻌﺎﻉ إبراهيم إسماعيل كتبي

«قل لي مـاذا تقرأ، أقل لك من أنـت» وقيل أيضا «تحدث حتى أراك» هذه الحكمة وتلك بوصلة مشتركة للبشر على اختالف لغاتهم وألسنتهم، فاملهم ماذا نقرأ ومن ثم كيف نفكر وبماذا نتحدث، وهكذا تكون ثقافة الحياة لأمم والشعوب. قبل أيــام شهدت جامعة امللك عبدالعزيز الـحـوار املفتوح الـثـري، ملستشار خادم الـحـرمـني الـشـريـفـ­ني أمـيـر منطقة مـكـة املـكـرمـة األمــيــر خـالـد الـفـيـصـل، عــن منهج االعتدال ليتكامل هذا الحوار وما شهده من أطروحات ومداخالت وإجابات، مع ندوة سابقة وضمن منظومة مؤسسية علمية بهذه الجامعة العريقة تتمثل في مركز وكرسي سموه لالعتدال، وهذه الروافد تسهم مع جهود اململكة في ترسيخ منهج الوسطية واالعتدال الذي تأسست وقامت عليه، وما نجاح نموذج الوحدة السعودية ورسوخها في هذا الكيان الكبير إال شاهد على هذا النهج القويم، رغم استثناء ات نزق الفكر الضال، والتحديات املتقلبة في املنطقة. االعتدال مفردة ومصطلح واسع املضمون عظيم املقاصد والنتائج، لذا ال يجب أن يمر سريعا في مكنون العقل الفردي والجمعي، فخير األمور أوسطها فكرا وحياة، بينما الشطط في فهم األديان وفي الفكر يمينا أو يسارا، هو أصل كل بالء، ومنبت كل جاهلية عبر العصور، ولهذا البد من تكريس مفهوم الوسطية كثقافة حياة للفرد واملجتمع. االعتدال له مغذيات عديدة، وترسيخه يضبط فهم األمور على حقيقتها السوية النقية، ويحفظ حقوق اآلخرين مثلما يحفظ الوقت والصحة وكل شيء دون إفراط وال تفريط في جودة الفكر والسلوك والحياة، وفي ذلك األمثلة كثيرة حتى من واقع دوائر الحياة اليومية البسيطة لكافة األجيال، فاألنانية مثال هي انحراف خاطئ فـي فهم الـحـقـوق والــواجــ­بــات، وتـــؤدي إلــى مخالفات وتــجــاوز­ات بحق اآلخرين والقوانني، والجشع واالنتهازي­ة أساس الفساد في العمل والغش في التجارة، وكذا ضيق األفـق وضيق الصدر يفتح شـرور البغضاء على نسيج األســرة واملجتمع، ويزين لصاحبه سوء األدب وقاموس اإلساء ات والتطاول، وما يحدث على شبكات التواصل االفتراضي والواقع هو جنوح عن ثقافة االعتدال في الخطاب والحوار والتعامل وافتقار للقيم. معادلة ثالثية األضالع (القراءة، الفكر، التطبيق) مطلوبة بشدة في هذا العصر للفرد واملجتمع، ولطاملا وجدنا أمما وشعوبا تبني حاضرها ومستقبلها على هذا وتضيف رصيدا ملاضيها، فاإلنسان بالقراء ة املتعمقة يبني عقله ويوسع أفق مداركه ويعمق تفكيره الوسطي اإليجابي ويطور نظرته للحياة، ويستقيم فهمه لتعقيداتها ولطبائع البشر، ناهيك عن أهمية فكر الوسطية واالعتدال لفهم الواقع املحيط فـي عاملنا السياسي واالقـتـصـ­ادي، وفــي السياق االجتماعي والتربوي، بالقراءة الجادة وخير القراءة والتدبر أوال لكتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم فكر املستنيرين على كل منبر دعوي وتربوي وإعالمي. من يقرأ بفهم ووعي ويستمع جيدا ويتدبر بعمق يكون أكثر إدراكا لذاته وقدراته ودوره فــي الــحــيــ­اة، وفــي هــذه الـحـالـة يـتـرك اإلنــســا­ن بـصـمـات يـومـيـة مــؤثــرة على محيطه األسري والعملي واالجتماعي، ويراه اآلخرون بعقل ووجدان إيجابيني، أما ضيق األفق والعصبية وأخطرهما الفكر الضال بكل أشكاله واتجاهاته، هو منحنى خطير يمتد لأسف في العالم صعودا باإلرهاب، وفي تيارات يمينية متطرفة في العديد من الدول بالعالم، والخطر في ظل ثورة التواصل واملعرفة أن تمتد الجاهلية بصور شتى على حساب التغير والتطور السليم في هذا الزمن الصعب، ولهذا فإن ثقافة وفكر االعتدال في صغير األمور وعظيمها مسؤولية الجميع.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia