السعودية تكسب من جديد
ميزة السياسة السعودية قدرتها على إعادة تموضعها من جديد، وأنها تكاد تكون إحدى أكبر القوى املرنة في الـعـالـم، كما يــدرك قــادة العالم أنــه ال يستهان بإرادتها وعزيمتها وأدواتها وقدرتها على الصبر على األصدقاء قـبـل األعـــــداء حــد الــنــفــاذ إلـــى الـلـحـظـة الــتــي تـقـلـب فيها املوازين ملصلحتها ولو بعد حني. وفي األسبوع املاضي تحدث السياسة السعودية اختراقًا مـدهـشـًا يـثـيـر ثـقـة أصــدقــائــهــا وحـلـفـائـهـا وحــنــق وقلق أعــدائــهــا أو مــن لــم يــقــدر جــيــدًا مــهــارة الــســعــوديــني في جر العربة والحصان معًا باتجاه مصالحها ومناطق نــفــوذهــا.. وكــمــا أثـبـتـت أنــهــا قــــادرة عـلـى أن تــعــول على نفسها وقت تراخي األصدقاء وطمع األعداء واستطاعت فــي الــفــتــرة الــقــريــبــة املــاضــيــة أن تــتــجــاوز الــفــوضــى في الــســنــوات الـعـاصـفـة لــلــثــورات الـعـربـيـة وتـئـد الفتنة في الــبــحــريــن وتــقــود عــاصــفــة حـــزم عــبــر تـحـالـفـهـا العربي وتــبــنــي الــتــحــالــف اإلســـالمـــي األكـــبـــر ضـــد اإلرهــــــاب في الـشـمـال، وتطلق مشروعها االقـتـصـادي الكبير ٠٣٠٢.. فإنها لن تمل من إثبات براعتها وكونها الحليف األكثر مــصــداقــيــة ومــوثــوقــيــة الــــذي يـمـكـن االعــتــمــاد عـلـيـه في ترتيب شؤون املنطقة. السياسة السعودية لـم تكن راضـيـة عـن سياسة اإلدارة األمريكية السابقة، واختلفت معها كثيرًا وخصوصًا في تماهيها مع املـشـروع الـنـووي اإليـرانـي ولكنها لم تقف مـكـتـوفـة األيــــدي واســتــطــاعــت مــع أشـقـائـهـا فــي الخليج تحييد املشروع اإليراني في املنطقة واستنزافه وكشف عواره وهمجيته للعالم. ولهذا فهي ال تتحرك عبثًا.. تهدأ أحيانًا ولكنه الهدوء الــذي يسبق العاصفة، وهــا هـي اآلن تقف شامخة عبر ذراعني ممتدين من اليابان والصني شرقًا وحتى الواليات املتحدة األمريكية غربًا. وميزة السعوديني أن لديهم ما يقولونه ويفعلونه للعالم ملصلحة الرخاء االقتصادي واألمن العاملي لذلك فحصانهم دائمًا الرابح. وليس اعتباطًا أن توقيت زيــارة سمو ولــي ولــي العهد للبيت األبيض والتقائه بترمب وأركان إدارته واالتفاق على عديد من امللفات السياسية واالقتصادية املتبادلة يتقاطع مع ذات التوقيت للزيارة الحافلة لخادم الحرمني الشريفني آلسـيـا اإلسـالمـيـة ولـثـانـي وثـالـث أكـبـر قوتني اقتصاديتني في العالم الصني واليابان. هي رسالة واضحة وأداء دبلوماسي واقتصادي متميز يقدم السعودية للقريب والبعيد كدولة كبرى ال يمكن اخـــتـــزال مـصـالـحـهـا وشــبــكــة عــالقــاتــهــا واستثماراتها وتطلعاتها ورغبتها فــي مـشـاركـة الـعـالـم الـنـجـاح عبر رؤيتها ٠٣٠٢. إن الــفــرق بــني الـسـعـوديـة وغـيـرهـا أنـهـا تـــدرك أن العالم تحكمه مصالح متشابكة وأنها تنسج مصالحها الذاتية عبر هـذه الشبكة ال من ورائـهـا أو بالقفز عليها، ولهذا فــإن لديها رؤيــة عميقة ثالثية األبـعـاد بوصفها مركزًا للثقل العربي واإلسالمي وكقوة استثمارية رائدة وموقع إسـتـراتـيـجـي مـهـم يؤهلها فــي مجموعة أن تـكـون قبلة االستثمار ورمـانـة املـيـزان فـي سياسات الـشـرق األوسط كما هي قبلة املسلمني وأرض العرب والرسالة.