أدباء: مبعايير اإلبداع ال يوجد شاعر «كبير» في اخلليج!
استبعد الكاتب والـشـاعـر حبيب محمود أن يكون لدينا في السعودية أو الخليج شاعر «كبير» أو «صغير» وفق املعايير اإلبداعية، وتساءل عن األصل الذي يجعل من شاعر ما «كبيرًا» أو «صغيرًا» في املعايير اإلبداعية، ال االجتماعية وال الوطنية، إذا كان املعيار هو «موقعي شعريًا؛ فإنني سوف أشاهد طابورًا من مئات الشعراء الكبار». وأكــــــد مـــحـــمـــود أن الـــشـــعـــراء لــــم يقيسوا «شعرية» امرئ القيس بموقع املرقش األكــبــر، ولـــم يـكـن الـــفـــرزدق مهمًا قــيــاســًا بــالــصــلــتــان العبدي، فـكـا الــشــاعــريــن متبوع بهامش عريض جدًا مـــــــن الـــــشـــــعـــــراء اآلخــــــريــــــن، و نفى أن يكون لدينا شاعر محلي أو إقليمي متبوع (عـابـر للحدود) منذ ما عـرف بمدرسة اإلحياء حتى قصيدة النثر، على نحو الجواهري، والسياب، ونزار، ودرويش والبردوني والفيتوري، وأدونيس، وهذه األسماء قدمت مشاريع إبداع لذا لم يرفعها إال اإلبداع ذاته، فكانت أسماء كبيرة باملعنى التاريخي والجغرافي الـذي ال ينطفئ بمجرد انطفاء اإلعـام والدعاية اآلنية. وذكر محمود أنه مطمئن إلى أن أي رافع آخر ال وجاهة في تمريره، إظهارًا الحترامنا املبدعني املحيطني بنا محليًا، وتلك النعوت الفارهة املسوقة في الصيغ اإلعامية -والتواصلية- ليست إال كرمًا مبالغًا في املودة واإلجال، أو هي توصيفات آنية، وقتية، محدودة بزمن ارتجالها، وال ضمانة عـلـى صــمــودهــا، وال حـتـى سـريـانـهـا خارج الـــدائـــرة الــجــغــرافــيــة -أو االجتماعيةاملــــحــــدودة أصــــــا. ويــتــفــق الكاتب والــــصــــحــــفــــي الـــــعـــــراقـــــي رضا األعــــــــــرجــــــــــي مــــــــع حبيب مــــــحــــــمــــــود فـــــــــي هــــــذا الـــرأي، مستشهدًا بــــــــــبــــــــــعــــــــــض الشعراء
الذين يروجون ألنفسهم، ويختارون األلقاب التي يتمنونها، كــبــعــض األدبــــــاء والــصــحــفــيــني ومــنــهــم الــشــاعــر عبدالرحمن الخميسي الذي كان يعمل في إحدى الصحف ويحرر أخباره الخاصة، ويعدها للنشر، فيكتب عن نفسه: سيصدر للشاعر العربي «الكبير» عبد الـرحـمـن... وأضــاف «األعـرجـي» أن لقب املفكر بات هو اآلخر يصاحب من فشل في أن يكون مبدعًا. فيما رأى الشاعر عبدالرحمن موكلي أن التوصيف والنمذجة سياق ثقافي وفرز وتصنيف تثميني للشعر والشعراء، وهذه الازمة موجودة حتى في الثقافة املدنية!، إال أن الشاعر إبراهيم طالع األملعي يتوسع أكثر في هذه الرؤية إذ يرى أن مصطلح (شاعر كبير أو صغير) ال يخضع فقط لإلبداعية فقط، بـل للزمنية وتــراتــبــيــة انــبــثــاق املـمـكـنـات املــاديــة والــحــضــاريــة اإلنسانية، إذ كـانـت الشاعرية أقــرب مـا تـكـون إلــى املهنية التخصصية، وتتناسب عكسيا مع اتساع الرؤية الشخصية وتوافر بدائل التركيز على الفكرة الـشـاعـرة ومتعلقاتها مـن صــور وألفاظ ومـوسـيـقـى. واسـتـشـهـد األملــعــي بـــ(هــومــيــروس) الـــذي قــال إنه شــاعــر كـبـيـر ألنـــه اســتــطــاع مـــلء زمــانــه بـمـثـل إلــيــاذتــه، وامرؤ القيس (إن كان حقيقة) كان كبيرًا ألنه عاش للشعر، واملتنبي مأل الدنيا وشغل الناس بما ال مثيل له، فقط ألنه لم يكن يزاحم شعرهم إعـام وال بدائل من مطابع وصحف ووسائل أخرى، وشعراء النهضة العربية أخـذوا صفة الكبر ألنهم كانوا على قمم بدايات انتشار اإلعام والثورة الصناعية. وأكد األملعي أن هاتني الصفتني ال تنطبقان اآلن ولن تنطبق بــعــد االنــفــجــار الــعــاملــي حــتــى لـــو خــلــق لــنــا متنبئون كثر، وهــذا الــرأي ينطبق على العالم أجمع ال على جزيرة العرب فقط، زد على هذا ما نعلمه من حــداثــة الـتـعـلـيـم والــوســائــل فــي الجزيرة عــبــر الـــتـــاريـــخ الـــعـــربـــي مــنــذ خروج الفتح وبقاء الثقافة املكانية هنا دون تـفـاعـل، لكننا نستخدم املـــصـــطـــلـــحـــني بــــــــدالالت نسبية ملجرد إضفاء تميز لـشـاعـر ما عن غيره.