املرأة في مأزق التمدن

ال نتصور شكا النـغـاق املجتمع وتقييد نسائه فـي غير ذاك الـــهـــوس الــــذكــــوري الـــــذي يــحــافــظ عــلــى امــتــيــازاتــه فـــي القيادة والسلطة، فيكثر الجدل حول موضوع االنفتاح واالختاط الذي يواجه أزمـة في الفهم أكثر منه في التطبيق، يرتبط ذلك بمدى حرية املرأة في تولي شؤونها وكسب مالها من عملها وتعليمها كونها عنصرا فاعا في العملية التنموية. كثرة األطروحات التي أحاطت هذه الفاعلية بالجدل تجعلنا نركز على تفسير أبعاد الحرية واالنفتاح في سوء تأويلها من جهة وسوء األخذ بمبرراتها من جهة أخرى، والتي هي حق من حقوق املرأة في نهاية املطاف حتى وإن غابت أبعاد هذه القضية عند شريحة واسعة من النساء املحاصرات في رغباتهن والعاجزات عــن تحليل أوضــاعــهــن نتيجة الـتـفـانـي فــي الـبـقـاء تـحـت نظرة االحترام املوروثة، بالرغم من أن البعض من الناشئات تجاوزن املمنوع الذي تتموضع حدوده بني مخالفة القانون االجتماعي وإرضاء الرغبة اإلنسانية كنتيجة للتمرد على الواقع. املــفــهــوم الـــذي يـحـكـم الــنــظــرة إلـــى املــــرأة هــو الـسـبـب الــكــامــن في صــيــاغــة الــســلــوك الـــعـــام تــجــاهــهــا وبــالــتــالــي صــيــاغــة األنظمة واألخاق بشكل عام، ثم يأتي الجدل تبعا لذلك في سوء التأويل للحرية وتفسيرها برغبة التحرر واالنفات وتمييع الدين من قبل املحافظني، وبني األخذ بمبرراته في استيحاء نموذج املرأة الغربية الذي يستعصي تطبيقه على واقع املجتمعات العربية في خطابات الحداثة، فدمر العرب أنفسهم باالختاف في أمر الحريات ولم يخرجوا بجديد يخدم مجتمعاتهم. مـن الصعب إسـقـاط نمطية الـواقـع الغربي على الـواقـع العربي بالرغم مـن أن كـا منهما يعيش مشكاته إلــى حـد قـد تتشابه فيه تلك املشكات، لكن نقطة االلتقاء بينهما تكمن في اإلشباع املفرط للحاجات نتيجة «االنفتاح» لدى الغرب، والحرمان املفرط نتيجة «االنـغـاق» لدى العرب، باعتباره قاسم البؤس املشترك ضد املرأة في كل منهما، وهذا ما يصور انقسام املجتمعات في مبادئ الحرية ذات العاقة الوثيقة بـاألديـان التي ألغى الغرب العمل بمبادئها وأقحم املسلمون تقاليدهم في تعاليمها حتى صورها املحافظون كعائق ضد التغيير والتطور، فأفرط الغرب باملساواة دون مراعاة للفوارق الفيسيولوجية، وأفرط املسلمون بالقوامة التي صرفت النظر عن رجاحة عقل املـرأة وقدرتها على حمل املسؤولية.