13 عاما في «خليج املوت».. شلبي يتشافى
¶ عند دخولنا إلى إحدى الغرف التي كان يتوسطها رجل في الـ 40 من عمره واالبتسامة ال تفارق محياه، تفحصت تقاسيمه، مـحـاولـة أن أكــذب مـا أرى أمــامــي، كـانـت أسئلة كثيرة تتزاحم فـي ذهـنـي: هـل هــذا هـو املعتقل السعودي عبدالرحمن شلبي الـذي قضى 13 عاما في معتقل املوت «غوانتانامو». وكأن اللواء املطيري قرأ ما يدور في ذهني فرد قائال: «هذا عبدالرحمن شلبي، تسلمناه شبه ميت في 2015 بعد أن دخـل فـي إضــراب عـن الطعام عـام 2005 هـو وسجني آخر بمعتقل غوانتانامو، وأمام طول مدة اإلضراب التي قام بها تدهورت صحته ونزل وزنه ألقل من 45 كيلوغراما، فكان السجني يتلقى حقنا لالحتفاظ به ملدة 10 سنوات، وبعد أن سلم للسلطات السعودية بقي فترة طويلة باملستشفى إلى أن تعافى، واستقبلناه بهذا املركز إلعادة تأهيله. ال يمكن أن يصف أحد ما يشعر في تلك اللحظة، هل هذا الـرجـل النحيل واملتوسط القامة، كـان فعال أحـد الحراس الشخصيني ألســامــة بــن الدن؟ وهــل هــذا الــرجــل كــان على عــالقــة بــخــالــد شــيــخ مــحــمــد، قــائــد الــعــمــلــيــات الخارجية بتنظيم الــقــاعــدة؟ هــل يـمـكـن أن يــكــون هـــذا الــرجــل املاثل أمـامـنـا مـن أخـطـر املعتقلني فـي الـعـالـم؟ وال يــزال ماضيه اإلرهابي يالحقه؟ بادرته بالسؤال، بعد أن استأذنت منه، فهز رأسـه مرحبا دون أن ينظر إلــي، قلت لـه: على أي مرجعية استندت في حملك على الجهاد والهجرة إلى أفغانستان؟ صمت قليال ثـم رفــع عينيه كـأنـه يسترق النظر وقـــال: «فــي 1999 كنا شـبـابـا، وكــانــت تـأخـذنـا حمية الــديــن، لــم نفكر ســوى في الوصول إلى أفغانستان، فبعض املرجعيات الدينية كانت تــرفــع صـــوت الــجــهــاد عـلـى «عــــدو» األمـــة املـسـلـمـة، وكانت تـلـك املــرجــعــيــات الـديـنـيـة تــدعــو لـلـجـهـاد فــي أفغانستان ضــد الـتـواجـد الــروســي، ولــم نفكر لحظتها ســوى بتلبية ذلــك الــنــداء الــداخــلــي الـــذي كــان يقفز عــن الــواقــع. وصلت أفغانستان فـي .1999 وقضيت سنتني بها إلــى أن ألقي عـلـي الـقـبـض ورحــلــت إلـــى الـــواليـــات املــتــحــدة األمريكية، والبقية تعرفونها». استطردت في السؤال وبإلحاح، رغم أن أحد الزمالء حاول مـقـاطـعـتـي وطــــرح ســـؤالـــه، إال أنــنــي عـــدت وأصـــــررت على ســؤالــي: هـل تعتقد الـيـوم وأنــت العائد مـن املـــوت، أن تلك املرجعيات الدينية التي رفعت فكرة الجهاد في تسعينات الــقــرن ودعــمــت الــقــاعــدة فــي فـكـرهـا الــجــهــادي هــي نفسها املــرجــعــيــات الــديــنــيــة الــتــي تــدعــو الــيــوم الــشــبــاب للجهاد واالنــضــمــام لــداعــش فــي ســوريــة والــعــراق؟ وهــل يمكن أن تقتنع بفكرة الخروج عن الحاكم؟ رد عبدالرحمن شلبي بتلقائية ودون تفكير: ...لا« ال يمكن أن أعود ملا عشته طيلة 13 سنة» طويت فكرة الجهاد وبرأت منها وأرجـــو مــن الـلـه أن أعـــود لحياتي الـعـاديـة وأعيش رفقة أسـرتـي. وقــد لقيت الكثير مـن املـسـاعـدة واملناصحة في هذا املركز، قاطعه اللواء املطيري قائال: «عبدالرحمن سيتزوج وسينجب، وقد وعدني بأن يسمي ابنه األول إذا كان ولدا باسمي (ناصر)». ابتسم الجميع ومد عبدالرحمن شلبي يده إلى يد املطيري، وكأن هذا األخير المس معتقل غوانتانامو سابقا بموضوع جد حساس، أثـار فيه نزعة األبوة وتوقه لها. وعقب عبدالرحمن شلبي قـائـال: «إن شــاء الله وسأسميه ناصر». عندما تركنا مجلس عبدالرحمن، همست لناصر املطيري، معقبة على املشهد األخـيـر، فقلت كأنك خضت موضوعا أثــار فـي عبدالرحمن عاطفة األبــوة املخبوءة داخـلـه، فرد املـطـيـري، أنــا أعــامــل كــل املعالجني كأنهم أبـنـائـي، أعطف عليهم وأتحدث إليهم وأحثهم على الحياة، وهـذا يعتبر جــــزءا مـــن املــعــالــجــة، حــتــى تــــزول تــلــك األفـــكـــار املتطرفة. وعبدالرحمن يبدي استعداده في االندماج لكننا تريثنا في إدمـاجـه وكثفنا من برنامج املعالجة وتجاوزنا معه األشهر الثالثة العتبارات تدعونا للحذر واتخاذ الحيطة، ليس فقط من جانبه ولكن أيضا من جانب املجتمع وقبوله له؛ لذلك ال نريد أن نوقعه تحت أي طارئ مفاجئ. وكـــــان عــبــدالــرحــمــن شــلــبــي مـــن أوائـــــل املــســجــونــني الذين اعتقلوا على الحدود األفغانية في ديسمبر 2001 وسلم إلــى الــواليــات املتحدة األمريكية. بعدها رحــل إلــى خليج غوانتانامو الذي أنشئ به أول معتقل للسجناء السياسيني، فوصل إلــى غوانتانامو عــام ،2002 وتــم احتجازه هناك دون أن تتم محاكمته أو توجيه اتهام رسمي له حتى موعد تسليمه للسلطات السعودية في 2015 بإلحاح منها. ورحــلــت الـــواليـــات املــتــحــدة االمـريـكـيـة املـعـتـقـل السعودي عبدالرحمن شلبي إلى اململكة العربية بعد 13 سنة قضاها في سجن غوانتانامو، خاض منها 10 سنوات إضرابا عن الطعام احتجاجا على حبسه وعــدم محاكمته. واعتبرت إدارة السجن عبدالرحمن شلبي من أخطر اإلرهابيني على أمريكا باعتباره الحارس الشخصي ألسامة بن الدن. وأشارت تقارير أمريكية صادرة عن جهات تتابع أوضاع املحتجزين إلى أن إدارة السجن لم تبرئ السجني السعودي من تاريخه اإلرهابي في حني ذكرت لجان املتابعة أن عدد املـحـتـجـزيـن حـالـيـا بمعتقل غــوانــتــانــامــو يـبـلـغ 52 تمت تبرئتهم مــن تـهـم اإلرهــــاب، ولكنهم مــا زالـــوا محتجزين في املعتقل؛ ألن بعض الـدول رفضت استالم املعتقلني من جنسياتها، ورفضت قرار الترحيل.