األجنبي والوظيفة العامة
الحـظـت فـي اآلونـــة األخــيــرة أن أي هيئة أو مؤسسة اقتصادية حكومية تستعني بخبرة عربية أو أجنبية، تشن عليها حملة ال هـوادة فيها وأن املشاركني في الحملة ليسوا من العامة وفي أدوات التواصل االجتماعي فقط، وإنما بمشاركة بعض النخب فـــي الــصــحــافــة املــحــلــيــة أيـــضـــا، وهــــذا حـقـهـم الــــذي ال ينازعهم عـلـيـه أحــــد، بــصــرف الــنــظــر عـــن مـــدى جــــواز ومــشــروعــيــة عوملة بعض الوظائف العامة أو الخاصة خــارج إطــار األيديولوجيا االجتماعية أو تقاليد الوظيفة العامة واألفكار املتوارثة ملحددات وأطر املواطنة وحقوق الوظيفة العامة. في بدايات التنمية لم تكن هذه الـ«فوبيا» الوظيفية موجودة، وإن وجدت فليس بمثل هذه الحدة والصرامة، وكانت الوظائف العليا للحكومة والشركات الكبرى تختلط بالخبرة األجنبية وترتبط بالحبل السري للدورة اإلنتاجية للبالد ككل حتى مع الغربيني ولـيـس الـعـرب فـقـط، وال تقل لـي إن ذلــك بسبب نقص الكفاءات في الداخل آنذاك فقط، وإن كان هذا أمرا حاصال، إال أن مثل هذه الحساسيات لم تكن موجودة أصال، ولم تكن قضية عدم قبول اآلخر قد تبلورت على أكثر من صعيد، ليس على مستوى الوظيفة العامة فـقـط، وإنـمـا فـي درجــة االنـفـتـاح على الوظيفة وغير الوظيفة، وبالتالي لم يكن ثمة من يسعى إلى التشكيك في مغزى هذه الخطوة وطنيا قبل أن تكون سوقيا. في الوقت الــذي نجد الــدول الكبرى والصناعية تتسابق على استقطاب مثل هذه الكفاءات والخبرات حتى من الدول النامية ولــيــس الـعـكـس فـقـط بـحـكـم حتمية دوران رأس املـــال البشري، وكــجــزء مــن نــفــاذيــة الــخــبــرة واملــعــرفــة فــي حــني أن مؤسساتنا أصبحت تتحسس من هذا األجنبي حتى وإن كان موقتا بعد أن وقعت تحت طائلة «الرهاب االجتماعي». فــي أمــريــكــا تــم تـعـيـني هــنــدي يــدعــي «نـــاديـــال» رئـيـســًا تنفيذيًا لشركة «مايكروسوفت» العمالقة وقبلها كانت شركة «بيبسي» العمالقة وبنك «دويتش» الدولي وشركة «ماستر كارد» وشركة «دياجو جلوبال» وعمالق بيع السلع «ريكيت بنكسير» وغيرها مــن شــركــات الــعــالــم قــد قــامــت بـاخـتـيـار قـيـاداتـهـا مــن الجنسية الـهـنـديـة نـفـسـهـا، فـمـا بــالــك ببقية الـجـنـسـيـات األخــــرى أو بمن يعملون بوظائف مهنية وليست قيادية، وفي الوقت نفسه لدينا سعوديون يعملون فـي مناصب إداريـــة ومالية وفنية فـي دول كثيرة مـن العالم وهـم يتكاثرون يوما بعد آخـر لـدى جيراننا، والدول الغربية عموما، ولم نسمع أن حملة شنت على أحد منهم بدعوى وجود من يشغل هذه الوظيفة محليا.