الفساد بأنواعه في الدول النامية
الفساد أصبح سمة من سمات اإلدارة والــــتــــعــــامــــل فـــــي مـــجـــتـــمـــعـــات الـــــــدول الــنــامــيــة ويـعـتـقـد الــبــعــض أن الفساد يـقـصـد بــه الــفــســاد املــالــي فــقــط وهـــو تــعــريــف قاصر، فالفساد أنـواع متعددة منها الفساد املالي وله أوجه متعددة منها عـمـوالت ترسية املشاريع أو تسليمها أو إتاوات إنجاز املعامالت وتجاوز األنظمة واللوائح وهـــذا الــنــوع هــو األكــثــر بـــروزا وظــهــورا وأثـــرا سلبيا على املجتمعات واالقــتــصــادات، ولـكـن أنـــواع الفساد األخـــرى أيــضــا عــديــدة منها الــوســاطــة واملــحــابــاة في االختيار عند التعيي في بعض الوظائف يـؤدي في النهاية إلــى وضــع الـرجـل غير املناسب فـي املناصب القيادية، ويعتمد في االختيار على اعتبارات تكون أحــيــانــا شخصية أو انــتــمــاءات عـائـلـيـة أو قبلية أو جغرافية أو ارتــبــاط مصالح شخصية، ويعتبر هذا الــنــوع مــن الــفــســاد شـائـعـًا فــي الــــدول الـنـامـيـة والتي منها دول الخليج والدول العربية وهو يسبب أضرارًا جسيمة في الهيكل اإلداري في الـدولـة، وهناك فساد في بعض الشركات البنكية يتمثل في سيطرة بعض أصـــحـــاب املــلــكــيــة بــالــحــصــص فـــي تــعــيــي القيادات البنكية أو التأثير فـي التعيي فـي مجالس اإلدارة، ومـمـارسـة الضغوط أحيانا لتمويل مشاريع معينة دون غيرها، والفساد يكون أحيانا في اتخاذ القرارات غـيـر املــدروســة أو املستعجلة والــتــي تـكـون نتائجها سلبية على بعض املشاريع أو الخدمات ويكون أثرها السلبي ماليا وبيئيا مباشرا وغير مباشر مثل بناء بعض املشاريع في مواقع لها آثـار سيئة على البيئة أو على املجتمعات املحيطة مثل بناء محطات التحلية أو مــصــانــع األســمــنــت أو مــصــافــي تــكــريــر البترول أو مـحـطـات تنقية املــيــاه أو مـحـطـات تـولـيـد الطاقة الكهربائية، وفي الغالب يكون أثر العوادم البخارية على بيئة وصحة املجتمع املحيط. ومن أنواع الفساد التصرف بامللكية العامة بالبيع أو اإليجار بأسعار تعتبر خـــســـارة عــلــى اقتصاد الـــوطـــن مــثــل قـــــرار بيع أحد املصافي البترولية فـــــي املـــمـــلـــكـــة بـــســـعـــر ال يــــمــــكــــن قـــــبـــــولـــــه حتى لــــو كـــــان األفــــضــــل أمام الــــعــــروض املـــقـــدمـــة، ثم إعادة بيع ثلث املصفاة من املشتري الجديد لشركات عاملية بعشرة أضعاف ســعــر الــبــيــع بــالــكــامــل، ورغــــم تــنــاول بــعــض املحللي االقـــتـــصـــاديـــي هــــذه الــصــفــقــة بــالــتــحــلــيــل واالنتقاد منطلقا مـن حرصهم على املــال الـعـام إال أنــه لـم يتنب ممثل رسمي اإلجابة عن هذه االنتقادات. ومن أنواع الفساد في االستثمار تأجير بعض األراضي الـحـكـومـيـة إلحــــدى الــشــركــات بــغــرض اســتــثــمــار تلك األراضـي واستخراج بعض املعادن منها وتصنيعها وذلك بسعر إيجار زهيد لفترة امتياز سنوات طويلة قام بعدها املستثمر بإعادة تأجير االمتياز لشركات عاملية بـآالف املاليي الستثمارها واستخراج الذهب منها وتصنيعه وتصديره، وأخيرا يتم اكتشافه من املتابعي واملحللي االقتصاديي وترفض وكالة هذه الجهات الحكومية هذا الفساد معترضة على اإلجراء، ولـكـن يظل الــســؤال أيــن ذهـبـت أمـــوال الصفقات ومن املسؤول؟. أمـــا فــســاد الــشــركــات املـسـاهـمـة فـقـد تـابـعـتـه وراقبته أنــظــمــة الــحــوكــمــة بعد أن كان الفساد واضحا وجــــــلــــــيــــــا فـــــــــي بعض الـــــشـــــركـــــات املساهمة وعلى وجه الخصوص فـي طريقة تقييم سعر األســــــــهــــــــم املــــــطــــــروحــــــة وقيمة عـالوة اإلصدار، وإخــفــاء بـعـض مــن املـعـلـومـات املـهـمـة لحملة األسهم والــتــالعــب بــســوق األســهــم بــالــشــراء أو الـبـيـع مــن قبل بعض املؤسسي أو املضاربي بطريقة غير مباشرة أو بدعم معلوماتي من بعض أعضاء مجالس اإلدارات، ولو جاز لي االقتراح لطلبت إعادة فتح ملفات بعض الشركات التي أسسها أصحابها بشيكات دفعت رأس مالها وأودع في البنوك ملـدة أيــام ثم سحبت األموال بعد الحصول على الرخصة. أما الفساد األخالقي فهو أنواع عديدة منها من يأمرون الناس بالخلق الرفيع واملثاليات وااللـتـزام بالكتاب والسنة ويأتون بعكس ذلك، فكم من األشخاص كتبوا ضــد الـخـمـر واملــيــســر ووجــدنــاهــم مــن املـتـعـامـلـي به، وكـم من الرجال من يحثنا بالرفق باملرأة وهـو أسوأ من يعامل املرأة. أما فساد املظهر فهو يظهر املحاسن ويبطن املساوئ. وكما أسلفت إن التركيز على الفساد املالي فقط ال يعطينا الصورة الحقيقية للفساد. إن محاربة الفساد ينبغي أن ال يركز على الفساد املالي فقط، إن فساد القرارات أو الخطط غير الناجحة وغير املالئمة والتي تؤدي إلى خسارة األوطان من الواجب محاسبة الذين أعدوها واقتنعوا بها وأقنعونا بها وكانت النتيجة سلبية، فكم من مشاريع صرفنا عليها الباليي ثم اكتشفنا أنها غير مالئمة أو مجدية، وكم مــن قـــــرارات أو تـنـظـيـمـات أصــدرتــهــا بـعـض اإلدارات واكتشفنا أنـهـا زادت مــن كـراهـيـة وغـضـب املواطني ووترت العالقة بي الطرفي. وأخيرا ال أبرئ القطاع الخاص من الفساد املالي فهو الشريك األساسي وال مبرر له حتى لو كانت شماعته الرغبة في إنجاز أعماله بـأي طـرق وال بديل لـه. وإن جاز لي االقتراح آمل أن ال يكون دور هيئة الفساد فقط الفساد املالي وإنما يدخل في تخصصها جميع أنواع الفساد املذكورة. * كاتب اقتصادي سعودي